منصة الصباح

شبح “الكورونا” يطوق طرابلس بلهيب الأسعار!

رصد: كوثر الفرجاني

أغلب شوارع طرابلس الرئيسة خاوية بلا مارة ولا سيارات.. المتاجر والمقاهي مقفلة.. حالة من السكون شبه التام.. وارتفاع تصاعدي يلوح في أسعار  السلع الغذائية ومواد التنظيف والمطهرات.

هذا ما آلت إليه العاصمة وأغلب المدن الليبية بعد الإعلان مؤخرا عن أول إصابة مواطن ليبي بفيروس “كورونا” المستجد، الذي تفشى وحصد آلاف الأرواح بمختلف دول العالم.

*ارتفاع معدلات الإصابة وتمديد ساعات الحظر

اليوم الأحد، وبعد إعلان حكومة الوفاق عن تمديد حظر التجوال الجزئي، وتعديل مواعيده من الثانية ضهرا حتى السابعة من صباح اليوم التالي، وبارتفاع نسبة المصابين ليبلغ العدد الإجمالي 8 إصابات.. ارتفعت معدلات الذعر بين عموم الناس، مادفعهم للخروج والازدحام على الأسواق لشراء مايكفي من مؤونة لحجر صحي يبدو انه سيطول..

يحدث ذلك رغم كل الرسائل التوعوية عبر وسائل الاتصال المختلفة التي دعتهم إلى عدم الهلع، مؤكدة على أن الدولة تحتاز على رصيد كاف من السلع التموينية تكفي ل 3 أشهر.. إلا أن ذلك، لم يثن المواطنين عن الخروج منذ اليوم الأول لإعلان الحظر، ذلك اليوم الذي قلب الموازين، وسبب اختلالا واضحا في إجراءات الحظر الصحي الذي يلزم المواطنين بالبقاء في بيوتهم.

الذعر الذى انتاب المواطنين لم يأت من فراغ، بل هو ردة فعل طبيعية تجاه قرار حظر التجول وإقرار فرض غرامات من قبل رجال الأمن على من يخالف التعليمات، وهو ما أدى إلى التدافع على شراء مايلزم ولايلزم، ارتفعت  جراءه أسعار مبيعات المواد الغذائية ارتفاعا ملحوظا بمايفوق 50%، من سعر بعض المواد غير القابلة للتلف كالبقوليات والسلع التموينية، ومواد التنظيف والتعقيم، التي تزايد الطلب عليها نتيجة قرار الحظر.

*رصد الواقع المعيشي

وفي ظل كل هذا الخوف، وبتنامي طلب الناس على احتياجاتهم تحت وطأة الالتزام بمواعيد محددة للتجول، حاولت “الصباح” رصد واقع الحياة النفسية والمعيشية داخل العاصمة وضواحيها بالتواصل مع بعض المهتمين بالشأن العام  والحقوقيين والنشطاء الفاعلين في العمل الخيري، ممن فرضت عليهم طبيعة أعمالهم الاحتكاك بالناس ومعايشة طبائع معيشتهم وظروفهم الاجتماعية والنفسية.

*جشع التجار وانعدام الرقابة

أكد أغلب من التقيناهم على أن جشع التجار يتصدر أسباب ارتفاع الأسعار، كما أشار آخرون تواصلنا معهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى ذلك، مؤكدين على أن ضعف الرقابة وراء رفع بعض التجار للأسعار، وذلك في غياب تام لثقافة الاستهلاك المتوازن لدى المواطنين، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار من قبل أسواق المصدر وتجار الجملة، وهو ما نراه واضحا في أسواق “الكريمية و السامبا”، التي تعد العصب الأساس لضخ السلع الغذائية للعاصمة طرابلس وضواحيها.

*غياب التسعيرة الموحدة

أسباب عدة طرحها بعض من تواصلنا معهم.. من غياب التسعيرة الجبرية، التي تساهم في الحد من تلاعب التجار في الأسعار، إلى أسباب أخرى غير مباشرة، مثل ارتفاع إيجارات المحلات، وعدم تنوع مصادر الاستيراد بشكل كاف، فيما انتقد آخرون نقص الرقابة على الأسواق، إلى جانب احتكار بعض السلع الأساسية، مما يتطلب وضع استراتيجية شاملة للحد من التلاعب في الأسعار.

*المحلات الصغيرة ترفع الأسعار

يرى الدكتور “عبد الفتاح صليل” المستشار بوزارة الداخلية، وعضو المركز الدولي للحريات وحقوق الإنسان، أن ارتفاع أسعار السلع أمر طبيعي ومتوقع، ويحدث دائما بسبب إقبال الكثير من العائلات على شراء سلع معينة.. مضيفا: هناك الكثير من السلع مثل اللحوم و الخضراوات والفواكه أسعارها في حالة تذبذب، وأن الارتفاع في الأسعار خلال هذا الأيام، أو في أي توقيت، يأتى نظرا لتغير الأسعار عالميا نتيجة العديد من الأسباب ومنها تغير الظروف المناخية وارتباط العديد من المنتجات بها بما يؤدي لارتفاع أسعار بعض السلع، في ظل استمرار الطلب الشديد عليها، موضحا أن تلك الارتفاعات العالمية تؤثر بكل تأكيد على ميزانية الدولة في ظل اعتمادها بشكل كبير على استيراد السلع حتى الآن.

كما قال: أغلب شكاوى الأسعار تأتي عادة من ذوي الدخل المحدود أو متدن، ممن يعيلون عائلات عدد أفرادها كبير، ولذلك فإن الارتفاعات القليلة تؤثر عليهم، خاصة أنه خلال هذه الأيام العصيبة تتجه معظم الأسر للاستهلاك بمعدلات عالية على غير العادة، وهذا يحدث في كثير من المجتمعات.

وأشار الدكتور “صليل” أيضا، إلى أن الإنفاق خلال فترة الحجر الصحي يجب أن يكون بمعدلات معقولة دون مبالغة وتبذير، وينصب على مواد غذائية لا تستهلك بالكامل ولاتؤدي لإرهاق مقدرات الأسرة.. مشيرا إلى أن سلوكيات الشراء في هذا التوقيت أمر موجود في جميع بلدان العالم، فهى سلوكيات بشرية، منوهاً إلى أنه في مثل هذه الظروف نجد العديد من الشركات في ساحة منافسة من خلال تقديم عروض متنوعة لجذب المستهلك، وهو ما يزيد في الغالب من رفع الأسعار، كما لاننسى تزامن ذلك مع قرب حلول شهر رمضان.. والأسعار في زيادة مستمرة، ودعا لتحديد أسعار جبرية يسترشد بها التجار والمستهلكون لضبط الأسواق خاصة في المواسم والأعياد.

كما أرجع الدكتور “صليل” سبب الغلاء إلى ارتفاع الإيجارات الخاصة بالمحال حيث تضاعفت بواقع 10 أضعاف، وأصبحت تكلفة البضائع والإيجارات يتحملها المشتري.. أما السلع التي شهدت غلاءً كبيراً فهي المواد الغذائية، كما شهدتها اللحوم، وبعض المواد الاخرى.

وطالب بضرورة وضع حلول لهذا الأمر، متوقعاً أن تشهد الدولة انخفاضاً في الأسعار بعد انتهاء هذه الأزمة العالمية.

وعن أسباب غلاء الأسعار أوضح أنه يوجد كثير من العوامل، منها قلة الرقابة التي تلعب دوراً مهما في ضبط السوق وعدم تلاعب بعض التجار في الأسعار، مشددا على إشراك المواطنين في عملية الرقابة على الأسواق، مستدركا أن المواطنين أحيانا يتخاذلون في الإبلاغ عن الزيادات الطفيفة في السلع المدعومة، حسب قوله.

الخضار والفاكهة زادت أسعارها

“فوزية محفوظ”، وهي ناشطة مدنية، لديها نشاط ملحوظ بالعمل المؤسساتي المدني.. أشادت بالجهود المكثفة التي تقوم بها الجهات المعنية خلال هذه الأيام العصيبة لمحاولة ضبط الأسواق، مطالبة بتفعيل القانون لردع المتلاعبين بالأسعار.

وقالت: شهدت أسعار الخضار ارتفاعا ملحوظا مع بداية أولى أيام الحجر الصحي، خاصة الخضروات كالطماطم والخيار، فضلا عن أغلب أنواع الفاكهة.

وأضافت: الأسعار تختلف من “سوبر ماركت” لآخر،  في الوقت الذي تشهد فيه عدد من الأسواق زيادة في عروض التخفيضات، والترويج لبعض المنتجات، مشيرة إلى أن الغلاء من المصدر ذاته وبائعي الجملة، وهو ما تم ملاحظته خلال الزيارات الأخيرة لأعضاء “جمعية ميلاد جديد للعمل الخيري والتنمية” للحصول على دعم من مواد غذائية وتموين لتوزيعها على العمالة الوافدة، التي تعد من الفئات المتضررة من حالة الحظر العام للبلاد بسبب توقف مصادر رزقها.

وطالبت “محفوظ” بضرورة تكثيف الجهود والحملات التفتيشية، والمرور بواقع مرتين في الأسبوع، ومواصلة الزيارات المفاجئة من الجهات الرقابية لمتابعة وضبط الأسعار، خاصة مع قرب قدوم شهر رمضان، فلابد من مراعاة الظروف الاقتصادية للمواطن ودخله الشهري وتقدير ما عليه من التزامات.

وأشارت إلى ضرورة التزام “السوبرماكات” والمحال التجارية بالقرارات التي تصدرها أجهزة الدولة المعنية بالمستهلك، وضوابط وتعليمات الحرس البلدي، وأن يتم لصق أسعار المنتجات والخضراوات والفواكه والأسماك واللحوم على أبواب المحلات بخط واضح للجميع.

*الأسعار تحكمها أمزجة التجار

الناشطة والحقوقية “عفاف عثمان الهوني”، رئيس جمعية “العهد للعمل الخيري”، استهلت حديثها للصباح بالتأكيد على أن الأسعار غير ثابتة في أغلب المحلات التجارية.. تجدها مرتفعة في أماكن دون أخرى، وأرجعت السبب إلى غياب الرقابة على المحلات الكبرى، إلى جانب أن غلاء الأسعار تحكمه أمزجة وأهواء بعض التجار.

وعن نوعية السلع التي شهدت ارتفاعاً في الأسعار قالت: أسعار الخضروات هي الأكثر ارتفاعاً هذه الأيام، بينما المنتجات الغذائية والمنزلية زيادتها متذبذبة، بينما تتحرك أسعار المنتجات المنزلية وتكون أسعارها غير ثابتة، موضحة أن الارتفاع الكبير انعكس على عدد من المنتجات الغذائية مثل احتياجات الحلويات والفواكه، ومستلزمات شهر رمضان ارتفعت أسعارها هي أيضا.

وطالبت بضرورة وضع آلية لضبط الأسواق وتوحيد أسعار السلع على مختلف المجمعات التجارية والجمعيات.

كما ترى “عفاف عثمان” أن ثقافة الاستهلاك والشراء في رمضان ظاهرة معروفة، حيث يزيد الطلب على أغلب المنتجات في الشهر الكريم، ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع الأسعار، مشيرة إلى أن تلك الثقافة منتشرة في الوطن العربي كله بشكل عام وليبيا بطبيعة الحال من بينها، حيث يزيد الشراء وزيادة الطلب.

*وضع استراتيجية لضبط الأسعار

يقول الأستاذ “محمد الشبة” مدرب التنمية البشرية، والناشط المدني، قبل أيام قمت بشراء معظم السلع التي تحتاجها الأسرة خلال هذه الأزمة الصحية من المحلات التجارية، ولم أشعر بغلاء في الأسعار، بالعكس، العديد من السلع والمنتجات الأساسية قامت بعض المحلات بتنزيل أسعارها، وهذا شيء جيد، وهو ما خلق أسعار مخفضة من قبل العديد من محلات بيع الجملة، لافتاً إلى أن ارتفاع الأسعار يكون في المحلات وعند التجار الصغار، حيث أنهم يشترون السلع المدعومة لبيعها بأسعار أعلى للمستهلكين.

وأضاف: ارتفاع أسعار بعض المنتجات والسلع وحتى الخدمات عادة مايكون في مواسم بعينها، بسبب طبيعة الموسم وثقافة الاستهلاك لدينا، ومنها على سبيل المثال الخياطين، فمن المعروف أن أسعارهم تزداد مع بداية العام الدراسي بسبب الطلب الكبير لتفصيل الزي المدرسي.

وأكّد الاستاذ  “الشبة” على أهمية وضع استراتيجية واضحة لضبط الأسعار خلال هذه الفترة و في شهر رمضان، مشيرًا إلى أن إطلاق الحرية للتجار جعلهم يقومون باستغلال الزبائن بشكلةعام.

وأوضح أن أهم السلع التي ارتفعت بشكل واضح هي السلع الغذائية من أطعمة ومشروبات، وهو مايجبر المواطن على المجيء إلى سوق الكريمية مثلا لشراء البقوليات والتوابل، وأغلب السلع الغذائية التي يمكن تخزينها في مثل هذا الظرف الصحي الطاريء،

وأشار ” الشبة” إلى أن شهر رمضان من أكثر المواسم التي تشهد إقبالاً واسعا على شراء السلع الغذائية، من تمور وأرز وبهارات ولحوم، والبعض يشتري بكميات كبيرة، ومن الواجب أن يكون التركيز على انخفاض تلك السلع خاصة هذه الأيام.

وختم قائلا: السلع الغذائية وعلى رأسها اللحوم زادت بشكل ملحوظ، حيث وصل كيلو الدجاج خلال هذه الأيام إلى 15دينار للكيلو، وهذا يحدث قبل حلول الشهر الكريم، وأكد أن بعض السلع الغذائية لا يشتريها المواطنون إلا في شهر رمضان، والتاجر يستغل الإقبال على تلك السلع ويرفع أسعارها وهم مضطرون للشراء منه.. كما أن التجار يقومون برفع أسعار الأشياء الأساسية مثل اللحوم و الدقيق والأرز والمكرونة والبهارات والخضراوات والفاكهة والأسماك، وكذلك البقوليات مثل الفول والحمص.

ودعا لحوار مجتمعي من أجل إيجاد حلول لمشكلة ارتفاع الأسعار التي من شأنها أن تساهم في الوصول إلى المصلحة العامة التي ترضي جميع الأطراف من تجار ومواطنين، حيث تتدخل عوامل أخرى في زيادة الأسعار مثل الإيجارات المرتفعة وعدم تنوع مصادر الاستيراد والاحتكار.

*تخزين السلع جريمة

يؤكد “علي جونطو”، وهو ناشط مدني، ورئيس جمعية “نانا زورغ” للسياحة والتراث، أن الارتفاع الموجود بالسلع بسبب لعبة من التجار، حيث يقوم غالب التجار بتخزين السلع والبضائع ما يؤدي لارتفاع أسعارها، ودعا الجهات المعنية، ممثلة في حماية المستهلك، لوضع ضوابط محددة تفرض على جميع التجار الالتزام ببيع البضاعة خلال مدة معينة من تاريخ استيرادها، وعدم تخزينها فترة طويلة.. واقترح حلاً لمشكلة ارتفاع الأسعار خلال هذه الأيام، من خلال تحديد تسعيرة موحدة باختلاف أنواع السلع الغذائية، مما سيؤدي إلى ضبط أسعار السوق عما هو عليه الآن، وسيساهم في مراقبة تحركات التجار في رفع الأسعار.

وأكّد “جونطو” أن الخضراوات والفواكه من أكثر السلع التي شهدت ارتفاعًا واضحًا خلال هذه الأيام.. حيث بلغ كيلو الطماطم عشرة دينار، وسبعة دنانير لكيلو البرتقال، وأوضح أن السبب قد يرجع إلى عدم إدراجها تحت لوائح التسعيرة المحددة للسلع، وقلة الرقابة على التجار ساعدت هي أيضا في ارتفاع أسعارها.

وختم “علي جونطو” حديثه إلى “الصباح” بالقول: زيادة الأسعار خلال الأزمات وفي الشهر الكريم تكشف النفوس المريضة التي تحاول استغلال كل مايستجد من ظروف، مشيرًا إلى أن الحكومة يجب أن تحاول توفير المواد الغذائية بأسعار أرخص، وضبط أسعارها، وتفعيل دور وزارتي الاقتصاد والداخلية، وتكثيف الرقابة على مدار الشهر طوال العام.

شاهد أيضاً

زليتن تشهد استقرارًا في الأوضاع بعد أزمة المياه الجوفية

تواصل وزارة الحكم المحلي جهودها للسيطرة على الأوضاع في بلدية زليتن وتعويض المتضررين وإيجاد حلول …