باختصار
لن تحتاج إلى دراسة ميدانية ولا إلى تقرير من جهاز رقابي لتكتشف أن تجارة الخضروات والفواكه في ليبيا خرجت من يد المواطن الليبي، ودخلت في جيوب الأجانب، يكفي أن تزور سوق جنزور للخضراوات، أو تتجول بين محلات وبراريك بيع الخضار في أحياء طرابلس، لتجدوا وجوهاً غير ليبية تديرها، وتتحكم في الأسعار، وتفرض ما تشاء من منطق العرض والطلب… بل ما تشاء من منطق الربح والنهب.
من باع السوق باع القرار الاقتصادي الصغير، والقرار الصغير عندما يباع، يسقط معه القرار الكبير، لأن السوق ليس مجرد مكان تعرض فيه البضاعة والسلع، بل هو مرآة تعكس من يملك مفاتيح الدولة، ومن يمسك بخيوط قوت الناس.
الأمر ليس في أن عامل أجنبي يبيع خضرة أو فاكهة، فذلك لا يعيب أحداً، ولكن العيب أن يغيب الليبي تماماً عن السوق الذي يفترض أنه له، في حين تتحول الدولة إلى متفرج صامت على مشهد يستبدل فيه البائع والمستهلك، بينما الغائب الوحيد هو المراقب.
الأسعار اليوم لا تحددها قوانين السوق، بل نزوات من يتحكم بالموازين، والموازين هنا ليست تلك التي توزن بها الطماطم والخيار، بل التي توزن بها جيوب الناس.
كيلو الطماطم لا يسعر بناءً على موسم أو وفرة، بل على شهوة التاجر الذي يعرف أن لا رقيب ولا حسيب، وأن المواطن سيشتري في النهاية، لأن الخضرة ليست كماليات يمكن الاستغناء عنها.
في بلد مثل ليبيا، يفترض أن يكون سوق الخضار رمزاً للسيادة الاقتصادية، لا مساحة مفتوحة لكل من شاء أن يربح بلا ضوابط، ولكن عندما تتقاعس البلديات، وتغيب الأجهزة الرقابية، وتنام وزارة الاقتصاد في سبات عميق، يصبح الأجنبي هو السيد، والليبي مجرد زبون في بلده، يدفع أكثر ليأكل أقل.
نوم جمعيات حماية المستهلك -إن وجدت- جعل المواطن بلا صوت، ومشروع قانون حماية المستهلك ما زال حبيس الأدراج، كأن حماية الناس ترف يمكن تأجيله، والمواطن وحده يدفع الثمن مرتين: مرة عندما يشتري كيلو البطاطا، ومرة عندما يشعر أن بلده لم تعد تملك حتى سلطة التسعيرة.
لن أبتعد كثيراً ففي الجارة تونس، الأسعار تخضع للرقابة، والباعة يخضعون للقانون، والمستهلك يجد من يدافع عنه. أما في ليبيا، فالسوق مفتوح وكالة بلا بواب، يدخلها من يشاء، ويخرج منها بما يشاء، والليبي يبقى يتفرج على وطنه وهو يباع بالمتر والكيلو والدرهم.
باختصار… السوق ليس مجرد خضروات وفواكه وسلع هنا وهناك، بل هو كرامة توزن على الميزان… وحين يختل الميزان، لا يظلم البصل فحسب… بل يظلم الوطن كله.
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية