منصة الصباح
جمعة بوكليب

سَاعتي

جمعة بوكليب

زايد…ناقص

“دقاتُ قلبِ المرءِ قائلةٌ له: إن الحياةَ دقائقٌ وثوانِ” هذا ما قاله ذات يوم الشاعر المصري المرحوم أحمد شوقي، مُلخِّصاً في بيت واحد قِصَر حياة الإنسان مهما طالت مقارنةً بالزمن، ومُذكِّراً بمصيره المحتوم. ليست حياة المرء دقائق وثواني فحسب، بل يشمل ذلك حتى حياة الساعات التي صنعها وتزيَّن بها الإنسان لكي ترصد له خطوات وتحركات عدوه الزمن، تحسُّباً لِسَهمه القاتل.

تذكرت البيت الشعري مؤخراً، بعد أن تعطلت ساعة معصمي، أو بالأحرى توقفت عن النبض والحركة، مُعلِنة نهاية رِفقة جمعتنا لأكثر من ربع قرن. تعطلها أو موتها النهائي لم يأتِها فجأة، بل حدث على مراحل. وكنت أنا رفيقها شاهد عيان على كل مرحلة منها. في كل مرّة كانت تُصاب فيها بوعكة، أُسارع بها إلى محل تصليح/عيادة تطبيب الساعات، فيقوم صاحب المحل أو العيادة الساعاتيّة بتشخيص الداء وتطبيبه مقابل مبلغ مالي يكفي لشراء ساعة أخرى جديدة.

بعد فترة قصيرة تعاودها نفس الوعكة، أو تَلُمّ بها أخرى، فأُسارع بالعودة إلى نفس محل/عيادة الساعاتي راجياً تدخله ومساعدته. بعد المرة الرابعة أو الخامسة، وما أنفقته من مال، أدركت أنه “ما ينفع في البايد ترقيع”، وأن الساعاتي لن يمكنه التدخل لوقف أجلها، وتمديد حياتها أكثر مما فعل. وليس أمامي سوى التسليم والإذعان والرضا بالمكتوب.

يا الله! كأن ما يصيبنا من فقدان أحبتنا بالموت، وما يتركوه لنا بعدهم من أحزان ومواجع لا يكفي! هاهي ساعة معصمي تغادرني في رحلة نهائية، بعد رِفقة امتدت لأكثر من ربع قرن، ويُحزنني فراقها. ربما أرادت ساعة معصمي، في رقدتها الوداعية، تذكيري بأن كل شيء له بداية ونهاية، وأن قيمة الناس والأشياء لا تُقاس بمدة وجودهم على سطح الأرض أحياء، بل بعمق أثرهم. أو ربما كانت تهمس لي بما لم تقله طوال سنوات رِفقتنا: أن الرفيق الحقيقي، سواء أكان إنساناً أم ساعة معصم، هو من يترك فراغاً عندما يرحل.

شاهد أيضاً

طارق القزيري

ليبيا: حين تتحاور النخب والشارع يصنع واقعه!

طارق القزيري في زمن الثورات المجهضة والشرعيات المتنازعة، تبدو ليبيا حالة استثنائية في تعقيدها، لكنها …