منصة الصباح

سيركٌ ملكي

زايد…ناقص
بقلم / جمعة بوكليب
رغم ما حَباهم الله من نِعَم وجَاه وسُلطان، فإن الحياةَ قد تكون قاسية، أحياناً، على الملوك، وتسرقُ البهجةَ من قلوبهم، بل وقد تَحُول بينهم وبين حلو المنام.
التاريخُ، على مرّ العصور، يؤكد أن القسوة سِمة من سِمات الملوك. فهل يعني ذلك أن الوقت تغيّر، أم أن الملوك تغيّروا، أم الاثنين معاً؟
لكن التاريخ، في ذات الوقت، يؤكد كذلك أن من عاش بالقسوة يموت بالقسوة. والملوك كانوا ملوكاً قساة، ولهذا لم ينجوا من تذوق السُمّ الذي كانوا يجرّعونه لغيرهم. وهذه حكاية طويلة ومعروفة، ليس هنا مجال للخوض فيها، لشدة عنفها ودمويتها ومآسيها.
القسوة المعنية، في هذه السطور، مختلفة عن المشار إليها أعلاه، ومتمايزة أنواعها. منها ما هو مقبول وسهل التعامل معه، ومنها ما هو قاتل، من دون الحاجة إلى رصاص أو حبل مشنقة. وفي المابين تتعدد الأنواع وتتمايز. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يتابع العالم منذ فترة، السيرك الذي يعرض منذ فترة على مسرح القصر الملكي في لندن، ومهرجوه من بين أفراد العائلة المالكة البريطانية. بطل السيرك هذه المرة الأمير هاري وتشاركه البطولة زوجته الأمريكية. السيرك الملكي منقول مباشرة على شاشات القنوات التلفزية وفي وسائل الاعلام الأخرى. ونحن وإن لم نكن من عشاق الفضائح العائلية، إلا أن للفضائح العائلية الملكية طعماً خاصاً، مثيراً للفضول، يصعب مقاومته. وكما للبيوت أسرارها، فإن للقصور الملكية أسرارها أيضاً. وهي أسرار لا يمكن معرفتها إلا بحدوث فضيحة، تتسرب روائحها عبر نوافذ القصور، وتتسلل في الأروقة الارستقراطية الخاصة، ثم تصل إلى أروقة وسائل الاعلام، وعبرها تصل إلينا في بيوتنا. فنقرأ تفاصيلها في الصحف، ونتابع تطوراتها على شاشة التلفزيون. وحين يحدث ذلك، يعنّ للعالم التوقف، ومتابعة السيرك الجديد المعروض. وهذا أمر في منتهى القسوة. ولكن من وجهة نظر مَنْ؟
تلك القسوة، تكدر صفو وصفاء وهدوء أفراد بيت وندسور الملكي وهم يتقلبون في حجرات وصالات قصورهم. وبالتأكيد، تعكر مزاج الملك الجديد تشارلز الثالث، وتلوث روائحها الكريهة حقبته الملكية، بأن تلقي عليها ظلالاً كثيفة، تحرم الملك الجديد، من بداية ملكية تليق بعهده المجيد. وتحرمه فرصة الاستمتاع بلحظة تاريخية انتظرها مدة سبعين عاماً، حتى كاد يموت يأساً.
ما كشف عنه الأمير المتمرد من معلومات، و ما رفع الحجاب عنه من عراك بالأيدي مع شقيقه ولي العهد الأمير ويليام، وما تحدث عنه من مؤامرات بين افراد عائلته، ومن تسريب وهمر ولمز إلى صحفيين يقفون متربصين بأعتاب القصور، لا ينبيء بأن المجد الملكي المأمول في المتناول: ” قليل البخت يلقى العظام في الكرشه.”
الملك الجديد، تشارلز الثالث، ليس بغريب عن عروض السيرك الملكية. فالعالم لم ينس بعد السيرك السابق لهذا، في التسعينيات من القرن الماضي، والذي تشارك فيه شخصياً دور البطولة مع زوجته السابقة المرحومة الأميرة ديانا. وهو سيرك بعروض محزنة، من النوع الذي يجعل قلوب المشاهدين تنكمش حزناً، بسبب نهايته غير المتوقعة والمأساوية. لكن الحزن، كما خَبِرنَا، مثل الفرح لا يدوم. والحياة وأمورها وتعقيداتها تضطر الناس إلى النسيان، ومتابعة الانخراط في متابعة شؤونهم الحياتية، لكي يتمكنوا من البقاء واقفين على أقدامهم. والسلالات الملكية، بحكم خبرتها وتجاربها، تراهن على الزمن دائماً، وفي أكثر الأحوال، لا تخسر الرهان. لكنها تخسر أحياناً، وحين يحدث ذلك، تدفع أثماناً باهظة. وهذا السيرك الملكي الجديد، بعروضه الردئية جداً، سوف ينتهي قريباً، ويسدل الستار، وتعود الدنيا إلى سابق سيرتها الأولى، و”يادار ما دخلك شر.”

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …