خسر مزارعون فلسطينيون نحو 600 دونم من أراضيهم الزراعية القريبة من السياج الأمني شرق قطاع غزة إثر فتح سلطات الاحتلال الإسرائيلي السدود التي فاضت بمياه الأمطار، إضافة إلى رش مبيدات كيميائية سامة وحارقة.
وقال أحد المزارعين المتضررين لقد دمرت مياه السدود ورش المبيدات 23 دونما امتلكها شرق حي الشجاعية المتاخم للسياج الأمني شرق مدينة غزة.
واضاف «في لحظة خسرت كل شيء .. 10 دونمات مزروعة بالملفوف والزهرة واللفت والفول والقمح والشعير والبصل، و13 دونما أخرى كانت جاهزة للزراعة وتحتاج حاليا إلى إعادة تأهيل كاملة».
واستيقظ المزارعون قبل بضعة أيام على كارثة حقيقية لحقت بمحاصيلهم من الخضروات والحبوب جراء انجراف التربة بفعل المياه المندفعة من السدود الإسرائيلية المقامة خلف السياج الأمني، قبل أن تأتي المبيدات الكيميائية التي رشتها طائرات إسرائيلية على ما تبقى من هذه المحاصيل.
وبتدمير أرضه الزراعية التي تبعد نحو 700 متر عن السياج الأمني، فقد المزارع مصدر رزقه الوحيد الذي يعيل منه عشرة أفراد.
وتساءل المتضرر بنبرة حادة من الغضب والحسرة ما ذنبنا كي تغتال إسرائيل لقمة عيشنا وتسمم محاصيلنا الزراعية؟ فسلطة الاحتلال تتعمد تدمير الأراضي وحرق المحاصيل، فهي تختبر اتجاه الرياح قبل رش المبيدات السامة كي تتأكد من أن هذه المبيدات ستنال من أكبر مساحة من الأراضي الزراعية.
وبحسب مزارعين ومنظمات أهلية تختص بالشؤون الزراعية في غزة، فإن المبيدات غطت الأراضي الزراعية على بعد نحو كيلومتر من السياج الأمني، وأضرت بالمحاصيل الزراعية والماشية ومزارع تربية النحل.
وترش إسرائيل مع مطلع كل عام مبيدات كيميائية على طول السياج الأمني الممتد على طول نحو 40 كيلومترا شرق القطاع لاعتبارات أمنية، سعيا منها إلى منع نمو نباتات وأعشاب بطول يحد من قدرتها على مراقبة المنطقة الأمنية العازلة التي تفرضها بعمق أكثر من 300 متر عن السياج.
لكن المنسق الفني في الإغاثة الزراعية المهندس مجدي دبور أكد كذب المزاعم الإسرائيلية، وقال إن المزارعين يدركون خطورة المنطقة الحدودية ولا يزرعون سوى المحاصيل الورقية التي لا يزيد طولها عن 60 سنتمترا، في حين تمنع إسرائيل زراعة الأشجار وإقامة الدفيئات الزراعية والمباني لمسافة تتراوح بين 500 و1500 متر من السياج.
وأكد أن إسرائيل تدرك أن فتح السدود وإغراق الأراضي بالمياه ورش المبيدات الكيميائية، كلها أمور تضر بشدة بالمزارعين، وهي معنية بذلك لإفراغ المنطقة منهم.
وأكدت منسقة المناصرة والإعلام في الإغاثة الزراعية نهى الشريف ان ما تمارسه إسرائيل بمثابة «تهجير قسري للمزارعين».
وقالت إن «الاحتلال يمنعنا كمنظمات أهلية من تأسيس بنية تحتية زراعية تخدم المزارعين، ويمنع الكثير من المواد والمعدات بما في ذلك منع السريان الطبيعي لمياه الأمطار ويحجزها في سدوده، التي يفتحها فقط عندما تفيض لإغراق أراضينا وحماية مزارعيه».
مبيدات حارقة ومسرطنة
حول آليات رش المبيدات ونوعيتها، أوضح المهندس دبور أن الاحتلال يشعل بشكل مفاجئ ومن دون إنذار مسبق نارا في الصباح الباكر تصدر دخانا أسود لمعرفة اتجاه الرياح للتأكد من أنها غربية في تجاه غزة، ومن ثم تقوم طائرات خاصة بعمليات رش المبيدات.
وقال إن الاحتلال يقوم بهذه العمليات مرتين في العام، الأولى مطلع يناير والثانية في أبريل، أي أنه يتعمد رش المبيدات مع بداية زراعة المحاصيل الشتوية والصيفية، ويكبد بذلك المزارعين خسائر فادحة.
وأكد دبور أن هذه المبيدات «حارقة ومسرطنة»، وبحسب تحليل أجرته وزارة الزراعة العام الماضي ثبت أن أحد مركباتها هو «دقلوفاس»، وهو مبيد عشبي يتحلل ببطء، وهو عبارة عن مادة سامة تحرق الأعشاب والنباتات وتضر بالإنسان.
وقالت الشريف إن المبيدات تصيب المزارعين بالحروق في حال تعرضهم لها مباشرة، إضافة إلى حرقها للمحاصيل، وهي قاتلة للماشية والطيور ومزارع تربية النحل حيث تنتشر حوالي 22 ألف خلية على امتداد السياج الأمني.
وأضافت أن نحو 70% من الثروة الحيوانية توجد في مناطق رش المبيدات، مما يشكل خطرا كبيرا على الإنسان في حال تناوله لحوما لحيوانات استنشقت هذه المبيدات السامة.
وبحسب «مركز الميزان لحقوق الإنسان» في غزة (منظمة غير حكومية)، فإن إسرائيل شرعت في عمليات رش المبيدات منذ العام 2014، وطالت منذ ذلك الحين حوالي سبعة ملايين و620 ألف متر مربع من الأراضي الزراعية في القطاع الساحلي الصغير.
أضرار بالغة
كما اكد سمير زقوت نائب مدير مركز «الميزان» أن عمليات الرش تدمر الإنسان والبيئة، وهي محظورة بحسب القانون الإسرائيلي والدولي، ولا يوجد أي تبرير أو أساس قانوني للاستمرار في هذه الأعمال التي تمس حقوق الإنسان وتعرض حياة وممتلكات المواطنين في قطاع غزة للخطر.
وسبق أن نشرت وكالة الأبحاث اللندنية «فورنسيك أركيتكشر» بنية الأدلة الجنائية في يوليو الماضي تقريرا يقدم تحليلا لعمليات رش المبيدات التي قامت بها إسرائيل في الفترة من 2014 حتى 2018، وأكد أنها ألحقت أضرارا بالغة بالحقول والمزروعات الفلسطينية.
وكشفت سلطات الاحتلال في العام 2016 أن المواد المستخدمة في الرش الجوي هي «غليفوسات، وأوكسيجال، وديوريكس»، ووفقا لزقوت تصنف إحدى هذه المواد على الأقل على أنها من المواد المسرطنة، لافتا إلى أن وكالة أبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية صنفت في العام 2015 مادة الغليفوسات ضمن المواد المسرطنة وقد تسبب تشوهات خلقية للمواليد، لذا حرمت بعض هذه المركبات في عدد من دول العالم.