منصة الصباح

سياسة‭ ‬ومسرح

زايد‭..‬ناقص

بقلم /جمعة‭ ‬بوكليب

وشائج‭ ‬عديدة‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬السياسة‭ ‬والمسرح‭. ‬وهي‭ ‬قديمة‭ ‬العهد‭ ‬تاريخياً،‭ ‬وتعود‭ ‬إلى‭ ‬بدايات‭ ‬انبثاق‭ ‬المسرح‭ ‬الأغريقي‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬السياسة‭ ‬من‭ ‬صراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬والنفوذ‭ ‬والثروة‭ ‬وما‭ ‬يؤدي‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬دراما‭ ‬ومما‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬مآسي‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭ ‬يتموضع‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬مركزي‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬أهتمامات‭ ‬الفن‭ ‬المسرحي،‭ ‬لأن‭ ‬الأعمال‭ ‬المسرحية،‭ ‬بطبيعتها،‭ ‬تقدم‭ ‬صوراً‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬الانسانية‭ ‬بكل‭ ‬تناقضاتها‭ ‬وتبدلاتها‭ ‬بشكل‭ ‬مكثف،‭ ‬وتستبطن‭ ‬أحوال‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬تغيراتها‭ ‬فيما‭ ‬يحيط‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬واقع‮ ‬‭ ‬متغير‭ ‬ومتقلب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭.‬لذلك‭ ‬ليس‭ ‬غريباً‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الاثنين‭ ‬–‭ ‬السياسة‭ ‬والمسرح‭ ‬–‭ ‬وطيدة‭. ‬وليس‭ ‬غريباً،‭ ‬ايضاً،‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬الصراع‭ ‬السياسي‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬إلى‭ ‬مسرح‭ ‬حيّ،‭ ‬واقعي،‭ ‬تدور‭ ‬أحداثه‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬كبيرة،‭ ‬يقوم‭ ‬السياسيون‭ ‬بأداء‭ ‬أدوارهم‭ ‬بواقعية،‭ ‬ويتحركون‭ ‬بوعي‭ ‬لحماية‭ ‬مصالحهم‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬الفن‭ ‬المسرحي‭ ‬بمختلف‭ ‬تنوعاته‭ ‬ومدارسه،‭ ‬قديماً‭ ‬وحديثاً،‭ ‬تستقطبه‭ ‬الصراعات‭ ‬البشرية‭ ‬بكل‭ ‬اشكالها‭ ‬عموماً‭ ‬والصراع‭ ‬السياسي‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬بروز‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالمسرح‭ ‬السياسي‭.‬
ما‭ ‬دعاني‭ ‬للخوض‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المقدمة‭ ‬هو‭ ‬مايحدث‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية‭ ‬الليبية‭ ‬منذ‭ ‬سقوط‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭. ‬والحقيقة‭ ‬أنني،‭ ‬شخصياً،‭ ‬أرى‭ ‬ما‭ ‬يحدث،‭ ‬حالياً،‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬مشاهدة‭ ‬عرض‭ ‬مسرحي،‭ ‬يؤديه‭ ‬ممثلون‭ ‬ليبيون،‭ ‬جاءوا‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬السرعة،‭ ‬وكأنهم‭ ‬اسقطوا‭ ‬من‭ ‬الجو‭ ‬بمظلات،‭ ‬وعُهدَ‭ ‬إليهم‭ ‬بتمثيل‭ ‬نص‭ ‬أعدّه‭ ‬عدّة‭ ‬مؤلفين‭ ‬أجانب،‭ ‬يمثلون‭ ‬مدارس‭ ‬مسرحية‭ ‬مختلفة،‭ ‬ويشرف‭ ‬على‭ ‬اخراجه‭ ‬كذلك‮ ‬‭ ‬عدة‭ ‬مخرجين‭ ‬أجانب،‭ ‬يمثلون‭ ‬مدارس‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬الاخراج‭ ‬المسرحي،‭ ‬وهذا‭ ‬المزيج‭ ‬الغريب‭ ‬أحال‭ ‬المسرحية،‭ ‬واقعياً،‭ ‬إلى‭ ‬كارثة‭. ‬فلا‭ ‬الممثلون‭ ‬واعون‭ ‬ومتمرسون‭ ‬بما‭ ‬عُهد‭ ‬إليهم،‭ ‬ولا‭ ‬المؤلفون‭ ‬والمخرجون‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬التصالح‮ ‬‭ ‬وتقديم‭ ‬التنازلات‭ ‬لبعضهم‭.‬جماعية‭ ‬التأليف‭ ‬والاخراج،‭ ‬وافتقاد‭ ‬رؤية‭ ‬متفق‭ ‬عليها،‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تحوّل‭ ‬المسرحية‭ ‬بقدرة‭ ‬قادر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬عرض‭ ‬هزلي‭ ‬في‭ ‬سيرك‭. ‬فالخلافات‭ ‬العميقة‭ ‬جعلت‭ ‬المؤلفين‭ ‬والمخرجين‭ ‬يدخلون‭ ‬تعديلات‭ ‬وتغيرات‭ ‬وقتيّة‭ ‬على‭ ‬النصّ‭ ‬اثناء‭ ‬العرض،‭ ‬ولم‭ ‬يغب‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬فطنة‭ ‬جمهور‭ ‬المشاهدين،‭ ‬الذين‭ ‬أدركوا‭ ‬بخبراتهم‭ ‬أن‭ ‬العرض‭ ‬المسرحي‭ ‬الحقيقي‭ ‬والجدير‭ ‬بالمشاهدة‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬وراء‭ ‬الكواليس،‭ ‬وليس‭ ‬فوق‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭. ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬السبب،‭ ‬تحديداً،‭ ‬جعل‭ ‬الجمهور‭ ‬أكثر‭ ‬حماساً‭ ‬وأهتماماً‭ ‬وحرصاً‭ ‬على‭ ‬متابعة‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬وراء‭ ‬الكواليس،‭ ‬من‭ ‬صراعات،‭ ‬لحظة‭ ‬بلحظة،‭ ‬ورصد‭ ‬تطوراتها‭ ‬أولاً‭ ‬بأول‭. ‬فالجمهور‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬صراع‮ ‬‭ ‬وراء‭ ‬الكواليس‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬رصده‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التغيرات‭ ‬الوقتيّة‭ ‬التي‭ ‬تحشر‭ ‬في‮ ‬‭ ‬النصّ‭ ‬أثناء‭ ‬العرض،‭ ‬وتغيّر‭ ‬من‭ ‬مسار‭ ‬العمل‭ ‬المسرحي‭ ‬على‭ ‬الخشبة‭. ‬وزاد‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬تفاقم‭ ‬فضولهم،‭ ‬وفي‭ ‬شهيتهم‭ ‬ورغبتهم‭ ‬لمعرفة‭ ‬تفاصيل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬شدّ‭ ‬وجذّب،‭ ‬وصراخ،‭ ‬وضرب‭ ‬فوق‭ ‬وتحت‭ ‬الحزام‭. ‬ما‭ ‬يلفت‭ ‬الانتباه،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الممثلين‭ ‬الذين‭ ‬يمتليء‭ ‬بهم‭ ‬الركح،‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬مصالحهم،‭ ‬أدركوا‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت،‭ ‬عدم‭ ‬أهتمام‭ ‬الجمهور‭ ‬بهم،‭ ‬وأدركوا،‭ ‬أيضاً،‭ ‬أنهم‭ ‬لايختلفون‭ ‬عن‭ ‬دمي‭ ‬متحركة‭ ‬بخيوط‭ ‬مشدودة‭ ‬كحال‭ ‬مسرح‭ ‬العرائس،‭ ‬لكنهم‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬حظوا‮ ‬‭ ‬ويحظون‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬امتيازات،‭ ‬وما‭ ‬أتيح‭ ‬ويتاح‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬الظهور‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬القنوات‭ ‬التلفزية،‭ ‬والصحف،‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬اختاروا‭ ‬تجاهل‭ ‬الخيوط‭ ‬التي‭ ‬تحركهم،‭ ‬مفضلين‭ ‬مواصلة‭ ‬لعب‭ ‬أدوارهم،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬ووصل‭ ‬ببعضهم،‭ ‬وهم‭ ‬كثرة،‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬خداع‭ ‬أنفسهم‮ ‬‭ ‬بتصديق‭ ‬أنهم‭ ‬نجوم‮ ‬‭ ‬مسرحيون‭ ‬كبار‭ ‬لا‭ ‬يقلون‭ ‬شهرة‭ ‬عن‮ ‬‭ ‬نجوم‭ ‬عالميين‭ ‬أمثال‭ ‬دونالد‭ ‬ترمب،‭ ‬أو‭ ‬بيرلسكوني،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬الآخر،‭ ‬وهم‭ ‬الحذاق،‭ ‬لايهمهم‭ ‬المسرح،‭ ‬ولا‭ ‬الجمهور،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬أعدّ‭ ‬النص،‭ ‬أو‭ ‬أخرجه‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يهمهم‭ ‬هو‭ ‬مضاعفة‭ ‬حساباتهم‭ ‬المصرفية،‭ ‬ومفاقمة‭ ‬ثرواتهم‭ ‬لاغير‭!!‬

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …