بدون سقف
بقلم : عبدالرزاق الداهش
قبل أعوام كنت قد ابتهجت بتحويل محل “سنفاز” في حي قرجي بطرابلس إلى مكتبة كانت خطوة عكس التيار أو عكس التجار، كان أصحاب المكتبات يستبدلون نشاطهم، من توفير المعرفة، إلى تقديم الشاورما والمكياطا، وكان يحقق بيع الكباب ما لا يحققه سوق الكتاب.
وذات أمسية أو ذات خيبة، لم استطع مقاومة رغبتي في زيارة المكتبة التي تشدني واجهتها وأهم من ذلك أسئلتها.
كنت قد تعودت كلما دخلت مكتبة ألا أخرج دون كتاب، ففي كل مرة كان هناك مطبوع يراودك على سطوره.
ولكن في هذه المرة اكتشفت كل ما هو صادما من عناوين، لا بداية بأهوال القبور وكيف تصبح فحلا. ولا نهاية بفن الطهو وأسرار السرير والجن والعفاريت، وحتى كيف تصبح مليونيرا .
كان هذا هو المتوفر لذا لم أقاوم رغبتي في الخروج وأنا أقول لنفسي: ربما لو ظل “سنفازا” أفضل.
کنا كثيرا ما نجلس على موائد نقد الذات أو جلد الذات، وكانت نسبة القراءة المخجلة جدا للإنسان العربي وجبة عادية. فكيف لا يتخطى معدل الاطلاع نسبة الستة دقائق في السنة؟
فكيف يقرأ انجليزي واحد ما يقرؤه سبعة كتب في العام، بينما لا يقرأ عشرون عربيا إلا كتابا واحدا فقط؟
وكيف أمريكي واحد أكثر من عشرة كتب في العام، بينما لا يقرأ عشرين عربي حتى عشر هذه العدد؟
ومادمنا في سياق الأرقام الصادمة والفضائحية يجيء السؤال عن ما يترجم إلى العربية من ما حققه ذهن الإنسان من تراكم حضاري، أو حجم الاستثمار العربي من الإنتاج الفكري العالمي.
تقول الحقيقة: أن ما ترجمه العرب من عصر المأمون وحتى نهاية السلطان عبدالحميد الثاني لا يتخطى العشرة آلاف كتب، وهو الرقم الذي ينقله الأسبان إلى اللغة الإسبانية خلال عام واحد فقط. : السؤال الآن ليس فقط عن كم يقرأ العربي أو كم يترجم العربي؟ بل أيضا ماذا يقرأ وماذا ينقل من العالم.؟
وهذا يعني أن نسبة الستة دقائق في العام وعلى تدنيها، كمعدل قراءة (ففيها ما عليها) لأن ثلاثة أرباعها مطالعات مهدورة في كتب الشعوذة، والفضائح الجنسية، وكل ما لا يشبع أي فضول معرفي، وهذا يعني أن أكثر ما ينقله العرب للعربية لا يختلف كثيرا عن الإنتاج العربي من بوليسيات أجاثا كريستي إلى روايات عبير مرورا بما تيسر من خرافات (أم بسيسي) غير العربية.