مفتاح قناو
سلاح المال هو السلاح الذي يتقوى به الإنسان وتتقوى به الدول، والقليل من المال هو كل ما تمتلكه ليبيا مند ظهور النفط بكميات تصديرية أوائل الستينيات، وقد حاولت حكومات العهد الملكي وبعض حكومات العهد الجمهوري استخدام هذا المال وإقامة العديد من المشاريع الاقتصادية التي يمكن لها أن تخدم المواطن، إلا أن التطبيقات الاشتراكية أواخر السبعينيات وما تم بعدها من تأميم للقطاع الخاص خصوصا في مجال المقاولات والبناء والتجارة العامة، كل ذلك جعل الاقتصاد الليبي يبقى في وضع متخلف ولم يتطور مع الزمن ولم يدخل في مراحل متقدمة من التصنيع التكنولوجي، وصناعة البرمجيات.
حاليا تواجهنا صعوبات خانقة لمحاولة التقدم في مجالي التجارة والصناعة، لعل أهمها أزمة الدعم التي تلتهم ما يقرب من نصف ميزانية الدولة الليبية، والتي لا يمكن حلها بمجرد قرارات إدارية لإلغاء الدعم، لان البدائل مفقودة، فلا توجد بنية تحتية في مجال المواصلات، وليس من السهولة إقامتها في وقت قصير، كما أن أزمة تهريب الوقود قد تعاظمت وأصبحت فعل يومي يمارس بشكل شبه علني.
رفع الدعم على الوقود إجراء قادم لا محالة سوى من طرف هده الحكومة أو من طرف أي حكومة قادمة، لأنه الحل الوحيد للقضاء على تهريب الوقود للدول المجاورة عبر المنافذ الحدودية شرقا وغربا وجنوبا، فحتى أزمة الوقود في الجنوب الليبي سببها التهريب الذي تقوم به عصابات التهريب هناك والتي تبدأ من مشرف المحطة الذي يبيع شحنة الوقود وهي في الطريق قبل وصولها للمحطة.
نعود إلى سلاح المال، وهو السلاح الذي ينبغي على الليبيين جمعه وتوجيهه إلى تحقيق مكاسب ومنافع مباشرة، فإهدار المال العام من خلال سياسات الحكومتين شرقا وغربا مسألة مضرة جدا بمصلحة الليبيين، فالحكومتين تتنافسان حاليا على إهدار المال العام بحجة إقامة مشاريع البناء واستكمال المشاريع المتوقفة، وعندما نلاحظ الأرقام الخيالية التي ترصد لهده المشاريع، يصاب المواطن بالهلع والخوف من المستقبل في دخول البلاد إلى نفق مظلم قد لا تخرج منه.
تنظيم العمالة الوافدة هي مسألة مهمة ثانية لإعادة توجيه المال الليبي في الطريق الصحيح، فالعمالة الوافدة تتحكم ـــ في ظل الفوضى الحالية ــ في مليارات الدينارات وقوم بتحويلها إلى بلدانها دون دفع درهم واحد من مستحقات الدولة الليبية، إضافة إلى أنها تفرض شروطها في تحديد أسعار السلع والخدمات على هواها، دون رقابة من الدولة أو تحديد أسعار، فغياب (التسعيرة الجبرية) عن الاقتصاد الليبي كارثة أخرى ينبغي الانتباه لها.
تكدس الموظفين في القطاع العام، وعدد المشتغلين في الدولة، الذي لا يتناسب مع عدد السكان في ليبيا هو مشكلة أخرى من مشاكل تشتت المال الليبي وضعف فاعليته على العمل، فمبالغ ضخمة من الميزانية تذهب مرتبات لموظفين لا يؤدون أي عمل منتج أو حقيقي.
ما أحوج بلادنا إلى تجميع قدراتها المالية للانطلاقة بخطة مدروسة لتحقيق أحلام أبنائنا في مستقبل أفضل.