زايد…ناقص
جمعة بوكليب
يوم الاثنين الماضي، الموافق 24 أكتوبر الجاري 2022، كنتُ، وملايين غيري، شهودَ عيان على منعطف تاريخي كبير في بريطانيا، وكل أوروبا الغربية، تمثل في اختيار نواب حزب المحافظين البريطاني لابن مهاجرين أسيويين، ليكون زعيماً جديداً للحزب ورئيساً للحكومة، اسمه ريشي سوناك، من مواليد عام 1980، ملون البشرة، من أصول هندية، هندوسي الديانة، شغل في حكومة بوريس جونسون السابقة منصب وزير الخزانة، ثم استقال فتسببت استقالته في وضع نهاية رئيس الحكومة. وهو أول ملون أسيوي يتولى المنصب منذ أكثر من 200 عام.
السيد سوناك، لو حالفه حُسنُ الحظ، ونجا من الفخاخ العديدة المنصوبة له في الطريق، سيقود الحكومة وبريطانيا حتى شهر يناير عام 2025، موعد الانتخابات النيابية القادمة، وربما يفوز بالانتخابات ويواصل المسير. من يدري؟
حزب المحافظين الذي دأبت الصحافة اليسارية على وصفه بالحزب الغبي، أثبت أنّه ليس غبياً، بل حزب براجماتي، قادر على تجاوز الدوغمائية الأيديولوجية، وعلى هدم أسوار التقاليد، وتخطي “تابوات” اجتماعية وتاريخية وسياسية، ومواصلة التأقلم والتغيّر مع واقع يتغيّر من حوله، من دون فقدان هُوّيته.
حزبُ المحافظين البريطاني، سواءٌ اتفقنا معه أو اختلفنا، صنع التاريخ في بريطانيا. فهو الحزب الذي تجرأ واختار امرأة لتكون زعيماً للحزب ورئيسا للحكومة، السيدة مارجريت ثاتشر، ولتصبح اسطورة سياسية، وأيقونة اليمين ليس في بريطانيا فقط، بل في بلدان أوروبية أخرى عديدة.
الحزبُ، الذي يصفه اليساريون البريطانيون بالغبي، أثبت لليساريين أن الغباء صفة لا تليق إلا بمن يرفض الأعتراف بمتغيرات الواقع من حوله، والتشبت بالماضي. حزب المحافظين، يصنع التاريخ ثانية في بريطانيا هذه الأيام، ويختار ريشي سوناك الهندي ليكون زعيماً لاقدم حزب سياسي، ورئيساً لحكومة بأسنان نووية، وسادس أكبر اقتصاد في العالم، ويقود بلداً بتاريخ لا يستطيع أحد تجاهله، مهما أبدينا نحوه من تحفظات.
حزبُ المحافظين كان هو من جاء بأول وزير خزانة ملون البشرة في تاريخ بريطانيا. وزير الخزانة هو الرجل الثاني، بعد رئيس الحكومة، من حيث الرتبة والأهمية، في أي وزارة بريطانية. في حين أن حزب العمال، اليساري، التقدمي ، لم يتجرأ ولا مرّة على خرق تلك التابوات. ولكم تمنيت على الله أن تكون الأحزاب اليمنية العربية تتابع ما يحدث على الساحة البريطانية، لكي تتعلم من أقدم حزب سياسي يميني في العالم، وتقتدي به في تعامله مع متغيّرات الواقع من حوله، من دون التنازل عن هُوّياتها السياسية. بل وأتمنى كذلك أن تتعلم منه الأحزاب العربية المحسوبة على التيارالوطني، وتقتدي به أيضاً.
ولذلك، سواء اتفقنا أو اختلفنا مع حزب المحافظين، فيجب ألا نخجل من نزع قبعاتنا له تحية اجلالٍ وتقدير على هذه الخطوة التاريخية.
حزب العمال البريطاني كان، تاريخياً، الحزب الذي فتح أبوابه للمهاجرين، إلا أنه احتكرهم سياسياً، وهم، بدورهم، استغّلوه. هذا لايعني أن الحزب لم يسمح لأبناء المهاجرين، الملونين وغير الملونين، من التواجد والعمل والتقدم في صفوفه، وتمثيله في مجلسي النواب واللوردات، وفي المجالس البلدية المحلية ، وفي إدارات الحكومة. بل العكس هو الصحيح.
بريطانيا لم تعد، منذ زمن، وحيدة اللون، بل أضحت حزمة ضوئية من تألق مزيج من ألوان عديدة، وحيوية ثقافات متعددة. وبعد وصول السيد سوناك إلى المنصب، الذي وصفه رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون، في خطاب استقالته، بأنه أحسن وظيفة في العالم، تكون بريطانيا قد دخلت حقبة جديدة في تاريخها، استُهلتْ بتتويج ملك هَرِم، وتعيين أصغر رئيس حكومة، ليس أبيض البشرة.