أحلام محمد الكميشي
ملتحقًا بزميليه “يان كوبيش” و”غسان سلامة” استقال المبعوث الأممي التاسع “عبد الله باتيلي” فجأة تاركًا المسؤولية لنائبته للشؤون السياسية “ستيفاني خوري” صاحبة التجربة في دول تعاني الحروب والنزاعات في أفريقيا والشرق الأوسط، وذلك بعد نحو شهر من ترحيبه بها وإعلانه تطلعه للعمل معها، فماذا ينتظرها في بلادنا؟ وما الذي تنتظره بلادنا منها؟
تبرز تحديات متراكمة عبر السنين لا أعتقد أن السيدة “خوري” تجهلها، منها الأممي، والدولي، وتحديات محلية، وأخرى متعلقة بها شخصيًا، فالتحديات الأممية تتعلق بالطريقة الحالية التي تدير بها الأمم المتحدة الملف الليبي عمومًا وتفصيلا، هذه الإدارة الفضفاضة المفتقرة للحزم الذي أيدت به مبعوثها “أدريان بلت” فقاد عملية استقلال ليبيا بورقة ضغط تمثلت في تحديد موعد أقصى لإعلان الاستقلال قبل نهاية سنة 1951م، فضاقت حلقة الخلاف واستعصت المناورة واتفق الجميع وتم إعلان استقلال ليبيا في 24 ديسمبر 1951م، لكن المبعوثين التسعة منذ 2011م تاهوا في ضبابية غير مفهومة ولا مبررة، إذ أن التدخل القوي للأمم المتحدة لدعم التغيير سرعان ما فتر مفسحًا المجال لضغط التحديات الدولية فرادى وكيانات، اشتركت فيه كل الدول الباحثة عن مصالحها في ليبيا أو التي تستخدم الورقة الليبية لتحقيق مصالحها بغض النظر عن تأثير هذا على المصلحة الليبية، حيث تنازعت ليبيا عدة دول تدخلت في شؤونها الداخلية والخارجية وماتزال، ولم يجد المبعوثون الأمميون وفرقهم إلا اللقاءات والحوارات وإعلان الخطط والمبادرات وتقديم التقارير للأمم المتحدة دون قدرة على إحداث تغيير ملموس يسير بالبلاد نحو الاستقرار الحقيقي في صورته النهائية، وفاقم المعاناة الصراعات العالمية والأوبئة والوجود الأجنبي المسلح بالبلاد ومشاكل الهجرة والتهريب والفساد ونشوب الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة، وهذه تُعد أبرز التحديات المحلية، إضافة لمشاكل السيولة والوقود وكل ما شكّل معاناة للمواطن، وزاد الطين بلة الانقسام السياسي والمؤسسات المتوازية، والخلافات السياسية والقرارات التي تحكم المحاكم ببطلانها، إضافة لتغييب المواطن بافتعال ما يستهلك وقته وماله وجهده.
ويبقى التحدي الأهم وهو متعلق بالسيدة “خوري” نفسها، حيث يفترض أن خبرتها السابقة ستفيدها في رسم خطة جيدة يمكنها تنفيذها، مستفيدة مما تعلمته طوال سنوات عملها السابقة في ظروف مشابهة لما نحن فيه وما تركه سابقوها من ملاحظات وتوصيات لتحقيق نتائج مختلفة، ويجب أن يكون المواطن الليبي محور هذه الخطة وليس النخب فقط، وتكون معالمها واضحة له بما يمكنه من المشاركة في تنفيذها، وهذا ما سيجعلها مختلفة عن خطط المبعوثين السابقين، وإلا فإن المسألة الليبية ستظل تدور في حلقة مفرغة مهما تعاقب عليها المبعوثون ولن يُكتب لأي منهم أن تشهد البلاد بفضله مسارا ديمقراطيا حقيقيا يتوج بانتخابات سلمية ناجحة تلبي طموحات الليبيين، وتساهم في استقرار البلاد وكامل المنطقة.