منصة الصباح

سارق الطماطم.. الصادق بن مهني عمق تجربة في صورة أدبية ذات دلالة

الجزء الثاني

قراءة : فتحية الجديدي

بعد انقضاء السنة الأولى من سجنه اعتقد “الصادق ” أن الغناء سيكون طوق نجاته, خاصة مع تداعي جسده النحيل على وقع الإضراب عن الطعام, الذي كان وهما ألم بالسجناء في فترة كسرة الموائد الافتراضية, ومعاقبتهم بعشرين يوما إضافية، بالإضافة إلى أحلام اليقظة عن الشباب والخوف من إبعاد رفقته المكونة من خمسة المساجين (حمه – أبوالسعود – عبدالله – إبراهيم) عن بعضهم البعض.
ولم يكن الجوع سندا للحركات الطلابية والجمعيات الحقوقية ومساند الأهالي بالخارج، وحالة “حمه” الذي قاطع شرب الماء أيضا وجزع رفاقه عليه, بالإضافة إلى انقطاعهم عن العالم الخارجي, فلم يكن بمقدورهم معرفة الأخبار إلا من ذاك الحارس من خلال مذياع صغير يخبئه..
من الكاف للقصرين كان اقتياد السجين الرافض للظلم والداعي لتحرر أبناء شعبه التونسيين , حيث لم تكن مليارات عائلته الذي اختلف معها نقطة انطفاء لحماسه في المضي نحو هدفه، وبذلك اختلفت صور مدن بلاده في عينيه وهو لم ير منها إلا جزيرته و قابس ومدن قليلة (ماطر وباجة وزغوان) وشيء من الطريق الشمالي الممتد للجنوب بعد إرهاق السلطة لعائلته والملاحقة الدائمة لهم.
حكايته مع العارض الصحي جعلته أكثر إصراراً أن يلتقي بأحد معارفه عندما نقل لسجن صحي آخر , وفي الطريق شاهد مظاهرات الطلاب التي شار في إطلاق بعض شعاراتها سابقاً, حتى سار موكبهم خارج العمران من خلال تعليمات أمنية مشددة، ليلتحق في نهاية مسيره برفاق سبقوه إلى السحن, منهم المناضلون المنتسبون للجبهة القومية التقدمية للتحرير, وهم يتقاسمون زنزانات سجناء الرأي مع المحكوم عليهم غيابيا, حيث ذكر الكاتب أسماء مثل الذي التي اقترنت بعملية (قفصة).
الكاتب.. ساقنا لدهاليز السجن مثلما أخذنا بحكايته إلى عمق التجربة والمراحل التي مر بها مع رفاقه الذين غاب بعضهم جسدا، وظل السجناء كمجموعات منظمة تناقش وتقدم وجهات نظر مختلفة في حصص تدريس داخل المعتقل ظنا أنه نهج الثورة وتحليل لتناقضات الواقع في تلك المرحلة التي أطلقوا عليها (جماعة السجن الذهبي) .. وفي ذاك الوقت، كذلك العلاقة بين السجين والسجان التي أضحت مهمة في حياة الكاتب أثناء فترة اعتقاله..
في خاتمة كتابه قال (بن مهني)..
“وأنتم تتخفون عن بوليس يشهر صوركم في كل مراكزه وتجدّ زبانيته في مطاردتكم, ثم وأنتم تحبسون فرادى في العزل أو مجموعات صغيرة أو كبيرة تعلمتم كيف تتجنبون غرائز قطعان البرية تهرب من العازمين على افتراسها تجري بكل جهدها فيما هم ينتقون أضعفها أو أقلها قدرة .. ينهكونه حتى يقع، تعلمتم أن خلاصكم في وحدتكم وفي تضامنكم فجعلتم الضعيف والنحيف يتوسط الحلقة ولم تؤسسوا على الفردي بل سيطرتم على غرائزكم وتقاسمتم كل شيء”
نص فريد ومن معدن مسبوك ساق من خلاله الكاتب صياغة مفردات ذات عمق لتصل بنا للصورة الأدبية المترابطة للمجريات سنوات السجن واصفا إياها بفترة الفكر الحر في إعطاء لمحة لتلك التجربة التي كانت ممتلئة بحركات النضال.

شاهد أيضاً

المنفي يبحث عودة السفارة الصينية واستئناف عملها بطرابلس

  ناقش رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، عودة السفارة الصينية واستئناف عملها بالعاصمة طرابلس. جاء …