متابعة : فرج غيث
مهرجان سوابيت الياسمين الذي أسس من أجل المحافظة على الموروث الثقافي الليبي وعدم اندثاره في ظل ما تعيشه بلادنا من عشوائيات وتأثيرات دخيلة، كانت بدايته فكرة من قبل الأستاذ صلاح حودانة وعندما اختمرت الفكرة قام بتأسيس المهرجان، ليصل به هذا العام إلى محطته السادسة، المهرجان عبارة عن لوحة كرنفاليه تقدم الوجه الفني والثقافي والفلكلوري لعروس البحر طرابس، وتستحضر تاريخ العاصمة الليبية ومدينتها القديمة الضاربة في أعماق التاريخ والتي يعود عمرها إلى ثلاثة آلاف عام، ومسعى لترسيخ محفل سنوي لبث روح السلام في النفوس، وتغيير وجهة النظر لرؤية تنشد التسامح وتتبنى الجمال بدل القبح، لذلك كان اتخاذ مجموعة من المعالم كأيقونات ورموز تدور حولها موضوعات الكرنفال في ملمحه العام، مثل برج الساعة، وسوق المشير، وقوس الإمبراطور ماركوس أوريليوس، والياسمين الذي اشتهرت به مناطق المنشية، وفراشية المرأة الليبية، إضافة لما يعرض من إكسسوارات وتحف ومشغولات يدوية.
انطلقت فاعليات مهرجان سوابيت الياسمين هذا العام يوم الخميس الماضي 26 ديسمبر 2010م، واحتضنت فعالياته قاعة لبدة بفندق كورنثيا Corinthia بالعاصمة الليبية طرابلس، بحضور عدد من الشخصيات الفنية والأدبية والمهتمين بالتراث والموروث الطرابلسي وعدد من العائلات الطرابلسية التي حرصت على متابعة المهرجان منذ تأسيسه.
وبدأت فاعليات المهرجان بمعرض فني شارك فيه مجموعة من الفنانين التشكيليين والخط العربي بلوحاتهم التي جسدت بعض صور المدينة القديمة بشوارعها وأبرز معالمها الموجودة حتى الآن منها مجموعة لوحات تشكيلة ناهزت العشرين تم عرضها في هذا المعرض الذي احتوى على لوحات قديمة وجديدة للفنانة التشكيلية عفاف الصومالي وزوجها د. عبد الرزاق الرياني الذي كان حاضرا للرد على استفسارات الزوار حول أعماله، وكذلك جمال دعوب ومحمد فارس، وشرح الخطاط علي البوسيفي مضمون لوحته (الحلية الشريفة) المشارك بها في المهرجان، على أنها لوحة خطية في وصف النبي صلى الله عليه وسلم جسمانيا وخلقيا إضافة إلى نسبه، مشيرة أن اللوحة كتبت بالخط الديواني تتضمن الآية الكريمة (وإنك لعلى خلق عظيم) وهي القاعدة الأساس التي بنيت عليها الحلية، ثم يأتي الجانب الزخرفي المذهب والمشكل للوجه الفني، الذي استغرق مني ثلاثة شهور، أنا هنا أحاول نقل إحساسي كاملا للعمل وبث مفردات الصيغة الجمالية والبصرية، وإشراك المتلقي في إنتاج وجه آخر للتذوق الفني ولعل سوابيت الياسمين هي إحدى محطات الرؤيا والشراكة إضافة لعرض كتب محمد خالد الباهي (مشائخ وعلماء طرابلس) و(درغوث باشا أمير أمراء البحار).
ومعرض لطوابع البريد القديمة والعملات الورقية للأستاذ إبراهيم عبد الغني يوشع عضو الجمعة الوطنية الليبية لهواة جمع الطوابع البريدية ومشاركات في مجال الزي التقليدي الليبي وصناعة الحلي القديمة التي تشتهر بها مدينة طرابلس والتعريف بشواهد من تاريخ ليبيا عبر مرحل زمنية مختلفة، إضافة إلى نماذج الصناعات التقليدية منها حرفة صناعة سروج الخيول، وعرض نموذج للسرج الليبي لمصممه ناصر بوخريس مؤسس أكاديمية أعمال الصياغة والمجوهرات بالمدينة القديمة الذي شارك به في معارض دولية وفاز بالعديد من الجوائز، وشارك محمد أبو خريس بمجموعة من الإكسسوارات المصنعة يدوية، إلى جانب من مناطق الجبل كالأساور والخواتم، وما تتميز به مناطق غدامس وغات بالخصوص، يجاورها بعض القطع القديمة، ونوه محمد المسألة مهمة تتعلق بتهريب الفضة إلى الخارج والنتيجة خسارة التاريخ والتراث، لذلك يتم العمل على استنساخ قالب تلك الإكسسوارات لإبقاء شكلها الفني على الأقل موجودا فيما لو حدثت حالات ضياع أو ما شابه.
مشاركة نجاة محمد المغيربي التي سعت من خلالها للتعريف ببعض مقتنيات وديكورات البيت الطرابلسي للأجيال الحالية، ونماذجها المجسمة لذلك هي دار العروسة السدة، ودار البنك والحيطية، إضافة لمجسمات الخميسة والنوبة، والحلي كخناق الماجار، وبعض الأشغال اليدوية مثل المريول، وطعمت نجاة المغيربي عالمها التراثي المندمج بكتاب (ماء وملح) يتناول تاريخ المأكولات في مدينة طرابلس مع بعض ما اشتهر من أكلات في مطابخ أخرى من العالم، إضافة الأنواع من الحلويات الطرابلسية المشهورة والمتعارف عليها مثل (المقروض، الغريبة، الكعك الحلو والمالح، الدبلة العاشورة،حلوة التفاح).
المهندسة حلومة نصير كانت حاضرة بعروض التطريز على (القرقاف) كفن تراثي أصيل، وفي طرابلس القديمة تقول حلومة إن الفتيات يتشربنه كهواية وحرفة منذ الصغر، على يد المعلمة والتي تسمى (العريفة)، حيث تتجمع الفتيات من سن الثامنة والتاسعة إلى سن الرابعة عشرة ويتدربن على شغل التطريز ابتداء بكيفية مسك الإبرة انتهاء بصنع الأقمشة والستائر، وفيما يخص ميولها الشخصية تقول نصير: (أنا أميل عادة إلى تطريز الزهور فهي الأكثر نفاذا إلى مخيلتي وتنفتح أبواب واسعة للتعبير عن معاني الفرح والسعادة والحب والسلام، وهو ما نحاول المشاركة به في هذا المحفل).
كما تخلل برنامج الحفل مجموعة فقرات فنية منها أغنية سوابيت الياسمين (6)، دخول القفة (السوابيت )، وصلة طرابلسية وعروض بالأزياء التقليدية الليبية.
وتم تكريم عدد 21 شخصية من الشخصيات اللامعة التي كان لها بصمة واضحة في مدينة طرابلس وذاكرتها، من کتاب وفنانين وإعلاميين ورياضيين.
ويأتي المعرض كجرعة خالصة من الدفء ومحطة سلام وطمأنينة سرعان ما ستزول وسط هذا الحرب الموغلة في ضراوتها والتي لا تنفك تتسع هوتها لتبتلع كل الأحلام الجميلة وتبسط ظلالها السوداء على كل ما ينبض بالحياة في هذه البلاد المكلومة.