منصة الصباح

زياد الذي لم ينس ريشه

مفتاح قناو

منذ أن عرفته عن قرب في تسعينيات القرن الماضي، كان الكاتب الراحل زياد علي هو الغائب الحاضر بيننا، يغيب عنا طويلا، ثم يظهر معنا بشكل مفاجئ يُمضي معنا أشهرا نراه فيها يوميا، ثم يعاود بعدها الاختفاء طائرا بين عواصم كثيرة، حاملا معه أمنيات استطاع أن يحقق كثيرا منها، يسعى الدكتور زياد علي خلال سفره دائما إلى ربط الصلة بين مبدعي هذا الوطن وغيره من الأوطان.

ما أن يصل إلى طرابلس حتى يبحث عن الأصدقاء ومكان اجتماعهم الجديد، ربطتنا جلسات مسائية كثيرة بمقهى برستيج رفقة المرحوم إبراهيم حميدان والفنان علي ألعباني والشاعر فرج العربي، استمعنا فيها إلى كل حكايات زياد علي بتفاصيلها أيام الدراسة بجامعة القاهرة في السبعينيات، يرحل في عوالم أشعار أمل دنقل، وعفيفي مطر، وجلسات نجيب محفوظ في مقهى ريش، ثم ينقلنا إلى اليمن حيث يروي عن عبد العزيز المقالح و عبد الله البردوني وغيرهما من مبدعي اليمن، ليحط الطائر الذي لم ينس ريشه في المغرب مستذكرا أيام جامعتها، وتحضير درجة الدكتوراه ولقاءاته مع كتابها وأدبائها.

ذات مساء من عام 2006م كنا نجلس بمقر رابطة الصحفيين بطرابلس، وكان زياد علي هو المتحدث الذي لا يسمح للآخرين بمقاطعته أو باستلام الحديث منه، فذخيرته من الحكايات لا تنتهي، وجاء ضمن الحديث ذكر الشاعر الراحل محمد الشلطامي، والشاعر محمد الشلطامي يمثل للدكتور زياد علي حالة وجدانية خاصة لا يمكن وصفها، وقد أبدى بعض الحاضرين من الصحفيين الشباب رغبتهم في التعرف على الشاعر الكبير محمد الشلطامي الذي كان متغيبا عن الساحة في تلك السنوات، فما كان من الدكتور زياد على إلا أن يبادر بالاتصال به فورا ويبلغه رغبة الحاضرين في أن يشاركهم الحوار، وبالفعل بقى منعا المرحوم محمد الشلطامي على الهاتف من بيته في بنغازي مستمعا ومتحدثا، هذا هو زياد علي البشوش المحب لكل الناس، الداعي إلى ربط التواصل ليس بين الكتاب الليبيين والكتاب في باقي الدول العربية فقط بل بين أجيال الكتاب داخل الوطن الواحد.

زياد المهموم بالوطن، يحث جميع الأصدقاء على نشر ما لديهم من مخطوطات، وقد أثرى المرحوم المكتبة الليبية والعربية بعدد من المؤلفات في المجال القانوني والفكري مثل كتاب الفكر السياسي والقانوني عند الشوكاني، وكتاب الكلمة أطول عمرا، وكتاب لا يقهر الزمن إلا الكلمة، كما وضع في مجال القصة القصيرة مجموعة من الكتب منها، لا تحرج الموت الجميل، والجذع المتوحش، والطائر الذي نسي ريشه.

رحم الله الكاتب الدكتور زياد علي الطائر الذي لم ينس ريشه فقد استخدمه محلقا به طائرا إلى كل العواصم ليقول لكل من قابله أنه من ليبيا البلد الممتلئ بالإبداع والمبدعين.

شاهد أيضاً

زيادة الوزن وطريق الموت

مع شاهي العصر: توجد دولة في جنوب أمريكا اسمها بوليڤيا بها شارع يعد أخطر شارع …