منصة الصباح

زمن الملمات

بقلم /محمود السوكني

نسمع بين الفينة والأخرى عن مرض صديق أو قريب ، أو احد نعرفه من هنا أو هناك ، وكان ذلك ( المريض ) في صحة وعافية ، ولا دلائل تنبيء بمرضه ، ولا علامات تحذر من قرب سقوطه ، فالرجل يتمتع بصحة جيدة ، ويمارس حياته على نحو ممتاز ، وليس هناك ما ينذر بقرب وقوعه ضحية لذلك المرض الذي في أغلب الأحيان يكون خطيراً أو فتاكا ولا أمل يرجى من معالجته والتخلص منه !
ما الذي يحدث ؟ ماذا أصابنا ؟ وماذا دهانا؟ !!
كل يوم يسقط عزيز ، وأخر يغادر ، وثالث ينتظر في الإنعاش . المآتم تقام سرادقها في كل حي ، ولا نكاد ننتهي من تقديم واجب العزاء ، حتى نفاجأ بمصاب آخر في مكان ثانًِ .
وقد تجتمع أكثر من مناسبة في أكثر من حي ، وأحيانا في ذات الحي ، وقد تحدث في نفس الشارع !
طغت مناسبات الأتراح ، وفاقت الأفراح والأعراس ، وكأننا موعودون بالحزن والكآبة وتعاهدنا مع الشقاء والهم والغم . وعادينا البهجة ، وخاصمنا السعادة !!
و.. نسأل عن الأسباب .. فلا نكاد نجد إجابة واضحة ، فالكل يدلي بدلوه في اتجاه مغاير للآخر!

هذا يقول أن تقلبات الجو، وتلوث البيئة أنتج أمراضاً لا قبل لنا بها، ولا عهد لنا بعلاماتها ! وآخر يتهم الأحوال المعيشية والظروف الاقتصادية ، والدخول المتواضعة في إنتشار أمراض نفسية وعضوية تفضي إلى هذه النهايات المفجعة ! وهناك فريق آخر، ويكاد يكون أكثر إقناعا من سابقيه ، يعزو هذه الأمراض على ما نتناوله من الطعام باعتبار أن (المعدة بيت الداء) ، فقد تغيرت طريقتنا في الكل ، واختلفت مكوناتها ولم نعد نستسيغ “الزميطة”و”البسيسة ” ولا حتى “البازين” ، واستبدلنا زيت الزيتون الأصلي الحر، بزيت الذرة خوفا من الكلسترول (!!) ونعتنا من يستعمل الفرن في إعداد خبزه ، بالمتخلف وازدحمنا أمام المخابز الحديثة لنحصل على أرغفة تلمعها المحسنات في تقليد أعمى لمخابز الخارج ، والأمثلة كثيرة لا يسع المجال لسردها .
أمراض العصر هذه لا تأتي من فراغ ولكننا من يهيء أسبابها ويخلق ظروف وجودها ، وعلينا متى توفرت العزيمة أن نتجنبها أونقع في حبالها و.. لنا الخيار .

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …