حنان كابو
يذهب بنا الباحث الكاتب مفتاح الشاعري، إلى بحور اللغة ليأخذنا في رحلة عن تسمية شهر الصوم بشهر رمضان قائلا: قيل بأن شهر رمضان كان قد سمى بأكثر من سبع تسميات مختلفة، وعرف قديما باسم ناتقاً في اشارة الى كثرة ما فيه من خيرات , ونفي البعض أن تكون تسمية رمضان قد اشتقت من كلمة رمضاء او حر , وانما هو مشتق من كلمة رمض وهو الحر الذي يستشعره الصائم من العطش، وهو يرمض الذنوب أي يحرقها بالأعمال الصالحات.
وشهر رمضان المعظم في الواقع لم يكن ليأتي دون مقدمات أنما جاءت مقدماته من مجموعة ممارسات وطقوس وعادات اجتماعية متبّعة لا تكاد تتغير رغم اختلاف درجات وطبقات المجتمع ومن عجائب هذا الشهر ما دأب الكثير منها على تسمية بشهر العطاء والخير والبركة في تأكيد بأنه شهر يأتي برزقه وسعة بابه حتى أنه لا يكاد يخلوا بيت من مختلف الاشياء فيه بقدرة من الله الكريم وفي ما مضى من سنوات صبا وشباب كانت قريتنا تحتفل بهذا الموسم المقدس فكان هذا التفاعل الاجتماعي والأمسيات المليئة بأصوات المآذن وتلاوة القران والتزاور والسهر وما يدهشنا هو حرص الأهالي على حث الصغار على خوض تجربة الصيام اسوة بالكبار وهذه الخطو تحديدا كانت الداعية الى تفضيل هذا الشهر واحترامه وتقدير ما به وفيه من خير للجميع , لم تكن قريتنا تخلو من صوت القرآن والصلوات المفروضة والتروايح والأدعية والقيام والتهجد حتى السحور كما كان المسجد غني برواده صلاة العصر وما بعدها سعياً لكسب روايات وقصص الانبياء والصالحين وكذلك الارشاد الديني الهادي والرزين وهذا الأمر يدعونا لأن نقول انه لا يكاد يكون هناك اختلاف بيننا وبين من سبقونا ففي الأدب العربي وجود واضح في هذا الشهر حتى أن الأديب مصطفي الرافعي قال فيه: “فديتك زائرا في كل عام تحيا بالسلامة والسلام وتقبل كالغمام يفيض جينا ويبقى بعده أثر الغمام وكم في الناس من كلف مشوق إليك وكم شجي مستهام”.
أما طه حسين فكتب قائلاً: “فإذا دنا الغروب وخفقت القلوب وأصغت الأذن لاستماع الآذان وطاشت نكهة الطعام بالعقول والأحلام، فترى أشداقا تنقلب وأحداقا تتقلب بين أطباق مصفوفة وأكواب مرصوفة، تملك على الرجل قلبه وتسحر لبه بما ملئت من فاكهة وأترعت من شراب، الآن يشق السمع دوي المدفع، فتنظر إلى الظماء وقد وردوا الماء، وإلى الجياع طافوا بالقصاع، تجد أفواها تلتقم وحلوقا تلتهم وألوانا تبيد وبطونا تستزيد ولا تزال الصحائف ترفع وتوضع والأيدي تذهب وتعود وتدعو الأجواف قدني.. قدني، وتصيح البطون قطني.. قطني، ومع تعدد أصناف الطعام على مائدة الفطور”.
كما تحظى المقاهي مكانة عالية لدى زوارها وتكون قبلة يرتاد إليها للسهر لما توفره من أجواء تنافسية من مشروبات رمضان وقعدات الأرقيلة.
ألفة سكان الحي الواحد
يعيد الحنين بالكاتب الروائي محمد عقيلة العمامي إلى زمنه الجميل الذي يفتقده كثيرا ويسرح. إليه أيضا كثيرا يقول: كان لكل حي مقهاه المفضل واغلب السمار يفضلون مقاهي احيائهم، لأن المقاهي في عهدنا كانت اهم مكان للسهر خلال شهر رمضان. دور السينما ينتهي عملها عند منتصف الليل، اما المكان الذي يتواصل السهر فيه حتى الفجر هي المقاهي، لما تخلقه له الفه مع سكان الحي. الواحد.
لقاء الأصدقاء
بينما يفضل التشكيلي إيهاب الفارسي مقهى اكسبريسو، لكن ليس دائما، ويضيف: في رمضان اعتكف في مرسمي ولا أحب الخروج كثيرا إلا للقاء الأصدقاء والفنانين، وارى أن ثقافة المقاهي شيء لابد منه وما هو موجود لا نستطيع أن نسميه مقاهي ثقافية وهذا يرجع إلى قلة الوسط الثقافي في ليبيا.
تمضية أوقات ممتعة
الكاتب الناقد احمد التهامي، الذي كان يرتاد مقهى المنتدى الاعلامي بشارع عبد المنعم رياض مقابل عمارة الاعلام، ومقهى الفندق الكبير في نفس الشارع يقول: أميل إلى الاعتقاد انه ثمة عاملين رئيسيين أثرا في جعل رمضان مرتبطا بالمقهى اولهما البيولوجيا عبر حصول الانهاك نهارا مما يجعل الليل وقتا للراحة والترفيه والبحث عن التسلية وتمضية وقت ممتع بالمقهى والعامل الثاني فكرة انه لا عمل إلا بالنهار.
وأميل إلى الاعتقاد أنها نتاج سنوات السبعينات من القرن العشرين مع تدفق ايرادات النفط وانهيار قيمة العمل في حياتنا.
حاليا نقص ترددي على المقاهي، أما سابقا فكان مقهى المنتدى الاعلامي في شارع عبد المنعم رياض مقابل عمارة الإعلام ومقهى الفندق الكبير في نفس الشارع يحظيان بالأهمية عندي، وربما فضلتهما لوجود عدد من المثقفين ونفس الاهتمامات.
المقاهي وجهة مثالية للقاء الاصدقاء
ويضيف الروائي محمد التليسي، عن خصوصية المقاهي في الشهر الفضيل قائلا: اكتسبت المقاهي خصوصيتها في شهر رمضان نتيجة مزيج من العادات الاجتماعية والأجواء الرمضانية المميزة التي تميز هذا الشهر عن غيره. ففي رمضان، تتغير أنماط الحياة اليومية بشكل كبير، حيث يميل الناس إلى السهر بعد الإفطار وحتى وقت السحور، مما يجعل المقاهي وجهة مثالية لقضاء مع الأصدقاء وشرب الارقيلة.
كما أن المقاهي غالبًا ما تتزين بزينة رمضانية مميزة وتقدم قائمة خاصة بالمشروبات والحلويات التقليدية المرتبطة بالشهر الفضيل، مثل المهلبية، الكركدي، والكنافة.
هذه الأجواء تجعل من ارتياد المقاهي تجربة ممتعة.
نشأت العلاقة بين المقاهي وشهر رمضان منذ عقود طويلة، خاصة في المجتمعات العربية والإسلامية التي تمتلك تقاليد عريقة في الاجتماع والسهر خلال ليالي رمضان. المقاهي كانت دائمًا مكانًا يجتمع فيه الناس للتواصل الاجتماعي، وتبادل الأحاديث، ومشاركة الأجواء الرمضانية.
والأمر يرتبط كذلك بتغير نمط الحياة خلال الشهر الفضيل. الليل في رمضان له طابع خاص، حيث يصبح الوقت المثالي للاجتماع والراحة بعد يوم طويل من الصيام والعبادة. لذلك، أصبحت المقاهي وجهة طبيعية للأفراد والعائلات للاستمتاع بجلسات هادئة أو احتفالية تعكس الأجواء الرمضانية.
…اختيار المقهى في رمضان يعتمد على الأجواء التي أبحث عنها خلال الشهر الفضيل. بالنسبة لي، أفضل ارتياد المقاهي التي تتميز بأجواء رمضانية هادئة ومريحة، تلك التي تعكس روح الشهر الفضيل من خلال الديكور التقليدي، الإضاءة الدافئة، والموسيقى الهادئة أو ربما الأناشيد الرمضانية. غالبا ما أتردد في شهر رمضان على مقهى دافىء ومقهى مارينا في منطقة حي الأندلس لشرب الشيشة. أعتقد أن ارتياد المقاهي في رمضان هو مزيج من الأمور الثلاثة: الاعتياد، وكسر نمط الوقت، وألفة أجواء الشهر الفضيل.