منصة الصباح

روما

 

بقلم / طارق الشرع

تدور أحداث فيلم) روما( في بداية السبعينيات من القرن المنصرم في إطار اجتماعي حول أسرة من الطبقة المتوسطة تعيش في مدينة مكسيكو بحي روما، يسرد الفيلم عاماً تقريباً من حياة الأسرة، وهي الفترة التي تواجه فيها الأسرة خطر الانفصال والتفكك بسبب نزوات الوالد الذي هجر عائلته واستقر في منزل آخر مع امرأة أخرى، في هذه الأثناء تواجه خادمة المنزل (كليو) مشاكل مماثلة وتتعرض للهجر من صديقها بعد أن علم بحملها، لتتشارك سيدة المنزل (صوفيا) والخادمة (كليو) الهموم، وتواجها مصيريهما بشجاعة بعد أن تلقت كل منهما الدعم من الأخرى.

يتأسس الفيلم في تقديم رؤياه على طرح منظومة رمزية متكاملة تم تقديمها في صور بسيطة ومتجانسة وهو أمر بالغ التعقيد كما أتصور؛ فبمجرد زرع إشارات رمزية في فضاء العمل سيفتح أمامه إمكانيات إضافية تساعد في إثرائه، أحياناً يكون بالإمكان القبض على هذه الإشارات لكن لا يمكننا دائماً فك رموزها، بهذا يمكننا مثلاً رصد ملاحظة تتعلق بالإفراط في هدر المياه طيلة زمن فيلم (روما)، انطلاقاً من اللحظة الأولى في البداية حيث تتجمع المياه حول بالوعة الصرف في باحة المنزل، مروراً بغسل الملابس والصحون والاستحمام وإطفاء الحرائق في الغابة ومياه الأمطار؛ انتهاءً بالسباحة في مياه المحيط.

إن اهتمام كاميرا روما برصد كل هذه العمليات وتصويرها في لقطات متنوعة يثير أسئلة تتعلق بالرمز والمعنى، والرمز هنا معقد جداً بسبب التنوع في استخدامه، حيث إن الرمز نفسه هنا يعطي دلالات مختلفة اختلافاً عميقاً؛ فالمياه تقتل النار في الغابة، والبحر يهدد بقتل الأطفال، رغم أن المحيط يعيد للخادمة حياتها بعد أن فقدت طفلتها.

إن ترميز الأحداث البسيطة يدفعنا إلى بذل جهود مضاعفة تقوم على التوافق بين الحدث ووسائل تقديمه، الرمز أحياناً يختبيء خلف المسافات التي تفصلنا عن اللقطات الساكنة والمتحركة في الكادر كحركة الطائرة في خلفية الشاشة في أكثر من مشهد، الطائرة في فيلم (روما) كانت تعني العودة إلى الداخل والعبور من حياة لأخرى، كما كانت تؤدي في ذات الوقت دوراً فنياً في تشكيل الصورة، حيث توزعت الصور المتحركة والساكنة في فـضاء الكادر على مستويات وأبعاد متفاوتة، حركة الطائرة في أقصى الكادر كانت تشاكس الحركة القريبة لصور متحركة أخرى كلقطة المياه المتجمعة في مشهد البداية، ولقطات ملامسة أطراف سيارة (الجلاكسي) لجدران المرأب أثناء إدخالها، اللقطات البعيدة والقريبة كانت تحقق توازناً على مستوى تشكيل كادر التصوير، مما أضاف قيمة جمالية على الجانب البصري للمشاهد.

الكاميرا في الفيلم كانت أشبه بضابط الإيقاع في جوقة موسيقية جميلة، الكاميرا كانت تحاكي واقع الفيلم لتقود المتلقي نحو مسارات الأحداث وتحولاتها؛ ابتداءً من السكون وانتهاءً به، نحو السرعة والجنون في الشوارع والهدوء في الأماكن المغلقة، كاميرا (روما) بألوانها المحدودة لم تكتفِ بتصوير الأحداث ومتابعتها، بل كانت جزءاً منها لسبب هام تمثل في اقترابها من بيئة القصة وتجسيد أحداثها بمهنية فائقة الجودة، وهذا الأمر قطعاً لم يحدث بالصدفة، فمرده كما أعتقد يتعلق بسيطرة (ألفونسو كوران) على تفاصيل هذا العمل انطلاقاً من كتابته لقصة الفيلم إلى جانب الإخراج، وصولاً إلى الخيار الفني المناسب، فقرار إنجاز العمل بألوان محددة (أبيض – أسود) إضافة إلى قرارات اتخذها مخرج العمل مهد كل ذلك لتشكل خصوصية عالم القصة بشكل مختلف ومتفرد.

شاهد أيضاً

ليبيا تترأس الاجتماع 15 للجنة البيطرية المغاربية الدائمة

  الصباح شارك رئيس لجنة ادارة المركز الوطني للصحة الحيوانية الدكتور عبدالرحمن اجبيل في فعاليات …