منصة الصباح

رمضان كما كان

بقلم / جمال الزائدي

 

كلما توغلت التكنولوجيا في مفاصل وتفاصيل حياتنا ..سلبتها نكهتها وحيويتها وطابعها الانساني..ذلك بغض النظر عن نسبة مساهمتنا في إنتاج هذه التكنولوجيا نحن الذين تصنفنا الدراسات الاجتماعية والإقتصادية ز شعوب نامية ز وهو في الحقيقة مصطلح مخفف رحيم يدل على التخلف .. بمقارنة عابرة بين طقوس الإفطار اول وثاني ايام رمضان هذا العام وبين الطقوس ذاتها في أي   يوم عشوائي من ايام شهر رمضان قبل عشرين عام على سبيل المثال..كفيلة بتوضيح تأثير التقنية الحديثة ومخترعاتها الجديدة على الأسرة الليبية وعلى محيطها الاجتماعي من جيران واقارب..

زمان كانت الأسرة تجتمع على افطار رمضان حول سفرة واحدة فيها التمر والحليب والمهلبية وبعض العصائر الباردة ان توفرت .. ينهض بعدها الجميع للصلاة جماعة أو فرادى ليلتقوا من جديد على مائدة فيها من الأكلات ما يفوق في بذخه غالبا قدرة رب الأسرة المالية ..فرمضان كريم ويأتي برزقه .. امام جهاز التلفزيون يتسمر  الكل دون استثناء الكبير والصغير لمشاهدة برامج مرئية خفيفة على المحطة الوطنية بالذات حتى بعد ظهور الصحون اللاقطة والبث الفضائي ..ثم تبدأ نشاطات الأطفال في الشارع.. يلتقون بأقرانهم ليتبادلوا الأطعمة والأكلات التي اعدتها الأمهات للإفطار ..كان الأمر يندرج في خانة الألعاب لكنه أيضا تقليد لما تفعله الأمهات حين يتناوبن على إرسال صحون الطعام إلى بعضهن بعضا في ايام الشهر الكريم وفي غيره من الأيام ..يظل الشارع صاخبا ضاجا بالحركة  وتظل البيوت مفتوحة الأبواب حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود  يتنفس الصباح  ..

اليوم لا شيء تبقى من تلك الصورة الليبية الدافئة والتفاصيل الكثيرة تم اختزالها ..تلاشت التقاليد والطقوس لتحل محلها تقاليد وطقوس أخرى تسللت إلينا عبر المسلسلات التركية  وغيرها ..الأكثر سوءا من ذلك لم تعد للعائلة الليبية فرصة الاجتماع حول شاشة تلفزيونية واحدة فلقد صار لكل فرد في العائلة كبر أو صغر  شاشة صغيرة خاصة به اما في جهاز  هاتف أو جهاز آيباد ..تفرقت الشاشات وتفرقت الاهتمامات وبالتالي تفرق شمل العائلة وأصبحت مائدة الإفطار التي كانت عامرة بالالفة والمحبة،  كما لو كانت طاولة ز أوبن بوفيه ز يتناول منها كل غريب حاجته من الطعام ويمضي في سبيله .. اما الشوارع والازقة التي لم تكن تهدأ فقد غرقت في الصمت والهدوء .. فمن يأخذ منا أجهزة التكنولوجيا الكريهة ويعيد إلينا طعم رمضان القديم ..؟

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …