رماد المهدوي
“عن بازوليني و الراب الليبي “
منصور بوشناف
كنت منذ سنوات مضت قد حاولت الكتابة عن المخرج والشاعر الايطالي “بيير بازوليني” وبالتحديد عن قصيدته “رماد غرامشي” وهي مرثية ليس ” لغرامشي ” بل لجيل مابعد الحرب العالمية الثانية الطليان من الشيوعين واليسار عموما .
في تلك القصيدة يقول “بازوليني ” او “اوديب” الشيوعية الاوروبية ” باق لانني لا اختار” .
ربما تلك الحيرة وذلك التردد والتفريط كانت سر بقاء “بازوليني” واليسار الاوروبي الذي كان وقود الثورة ضد الفاشية والنازية وحرب التحرير التي خاضها “الانصار” مع جيوش الحلفاء ضد هتلر وموسليني, فاليسار بقى في اووربا احزابا رسمية وافلاما وروايات واشعارا ومنظمات صغيرة متمردة تعبر عن سخطها و”تنظر خلفها غاضبة” لنتائج الحرب العالمية الثانية , فهي لم تنتصر حقا ,بل انتصر “حليفها العدو” وسيطر على كل شيء ووجدت نفسها تائهة في الهوامش والازقة المعزولة , ومن تلك الهوامش وتلك القرى والاحياء الفقيرة قدمت افلامها واشعارها ومسرحياتها ولوحاتها ونظرياتها عن ثورة الارياف والعالم الثالت , كان “اوديب بازوليني” “الفيلم المهم لبازوليني المخرج” يلقى خارج اسوار المملكة واحضان الام لينقذه الرعاة والفلاحون من الموت في مهده ليصل الى مملكة أبيه ملكا وقاتلا لابيه وزوجا لامه واخ لابنائه, وكل ذلك دون معرفته ووعيه بمكائد التاريخ والقدر , ليتوه عبر القرى والمدن والارياف اعمى تقوده ابنته مستسلما لقدره الذي خطته له الالهة.
في ليبيا التي عانت “المعتقلات الفاشية والابادة الجماعية والشنق في الميادين العامة والتهجير والمطاردة بالطيران عبر الصحراء الكبرى وخاض اهلها حربا ضروسا ضد الغزاة الطليان حافظت القصيدة الشعرية على روح المقاومة حتى بعد هزيمة المقاومة المسلحة , فظل الشعراء يعبرون عن رفضهم للطلينة والاحتلال , ويحافظون على هوية الوطن والمواطن , ويرسمون وطنا حرا مستقلا , كان الشعراء والمغنون الاباء المؤسسين لصورة الوطن المستقل الحديث .
احمد رفيق المهدوي “شاعر الوطن” كما عرف بعد الاستقلال , كان من ابرز شعراء المقاومة والنضال من اجل الاستقلال , عانى المنع في الوطن تحت الاحتلال وعانى عذابات المنفى وقال شعره باللهجة والفصحى ليصل لكل ابناء شعبه مصورا معاناة شعبه تحت الاحتلال وماتعرض له من تهجير وقتل ومعتقلات
“تبقى على خير وطني بالسلاما
ورانا نداما
وياعون من فيك كمل اياما” .
ظلت هذه القصيدة ” الاغنية” التي قالها المهدوي وهو يغادر وطنه منفيا تتردد على اللسنة الليبيين في منافيهم , منذ الاحتلال الايطالي وحتى هذا اليوم , ظلت المعتقلات والجور والقمع واحدة والمنافي واحدة وان تغير الجلادون “مستعمرون او ابناء جلدتنا” وظل التمسك بالوطن يقوى عقدا اثر عقد وقرنا اثر أخر , ظل قول “المهدوي” مخاطبا الوطن من منفاه يتردد حتى الآن
“يا ايها الوطن المقدس عندنا
شوقا اليك , فكيف حالك بعدنا
اما هواك فلا مجال لذكره
فالحب مامنع الحديث الالسنا”
قبل المهدوي كان “سيدي قنانه” وقصيدته “تركناه حب الوطن غصبا عنا” , ثم القصيدة الليبية “الاغنية”
“طريق السلامه يابلاد تهني
غير اعمري كانهو خرابك مني “
عشرات القصائد والاغاني اخذت في الوجدان الليبي مكانتها البارزة معبرة عن التعلق بهذا الوطن وخيبة الامل والاحباط في مالات نضال اولئك الشعراء والمغنين من اجله “بلاد تحبها وتزدريك” كما كان بيان “عمر الكدي” الحديث .او
“ياوطن مانك صافي
م الترك للطليان للقذافي” التي ظهرت بعد نتائج فبراير