بقلم / جمال الزائدي
في استضافة نظمها القسم الثقافي بصحيفة ” اويا” العام 2008 م ..إلتقيت لأول مرة بالروائي الليبي العالمي ابراهيم الكوني ..بالمنصة الصغيرة جلست وزميل آخر إلى جانبه ، مقابل العدد القليل من الكتاب والمثقفين والزملاء الصحفيين الذين حضروا للاحتفاء بالمبدع الكبير ..
مكان الحدث صالة التحرير وهي عبارة عن مستطيل ضيق تطل عليه مكاتب رئيس التحرير ورئيس التحرير التنفيذي وقسم الفنون والقسم الثقافي..
معظم الحضور نثروا تحت اقدام الضيف النجم عبارات القريظ والمديح الذي تعودته اذناه منذ عرف طعم الشهرة ..بين من طلبوا الاذن بالحديث الروائي الراحل خليفة حسين مصطفى..لا تحضرني كلماته الان لكن فحوى مداخلته التي غص في نهايتها بالدموع ، الشكوى من اهمال المؤسسة الثقافية لكثير من المبدعين غير المحظوظين او من غير ذوي الحظوة..
لم يكن الراحل يحتاج للحديث ليلفت النظر الى حقيقة كنا نشاهدها بأم العين ..
مفادها أن مؤسسة السلطة في تمظهرها الثقافي كانت تمارس تمييزا علنيا في دعم ومساندة الكتاب والمبدعين حسب درجة تماهيههم مع خطابها الايديولوجي والاجتماعي ..ومع ان خليفة حسين مصطفى كقيمة ادبية وفنية لايقل عن ضيفنا وعن نجم آخر في عالم الرواية دعمته السلطة بدوره وقدمت له كل التسهيلات ..الا إنه عاش على هامش الاضواء محليا وعربيا وعالميا ، وبينما كان اقرانه يتنقلون بين العواصم بصفات دبلوماسية او على سبيل التفرغ لاعمالهم الادبية..ظل هو لآخر لحظة في حياته موظفا بدرجة محرر بالمؤسسة العامة للصحافة..
اعمال خليفة حسين مصطفى الروائية ، بسبب صدقها ربما لم تحاول استعارة مفردات قاموس المؤسسة الايديولوجي ولم تحاول خطب الود باهداءات منافقة مرائية ..واكتفت باعادة بناء عوالم المدينة التي ينتمي اليها المؤلف ….
لقد كتب ليالي نجمة والأرامل والولي الأخير وخطط صاحب المقهى وجرح الوردة .. ولاشيء في ذهنه – كما اظن – غير تقديم فن ينتمي إليه ويرسخ قيمته الأدبية وهويته الاجتماعية ، يعكس تضاريس المكان وتفاصيله حتى تتجلى حواري وأزقة وروح المدينة “طرابلس” في الكلمات والحروف والأسطر ، يعيد بناءها حجرا بحجر كمعماري عاشق يمتح من وهج ذاكرة أرهقها الحنين ، يوثق لحياة الفقراء والبسطاء والعاديين وينسج القصص والحكايات من خيوط أوجاعهم وهمومهم ومشاغلهم ..يستعيدهم من الهامش إلى المتن لا ليصنع منهم قادة ووجهاء وأبطال خارقين ، ولكن ليضعهم في مسار موازي للمسار الرئيسي الذي تتشكل مادته من التاريخ المدرسي المكتوب عادة بحبر من دماء الضحايا المسحوقين وبأقلام المنتصرين ..
لعله وحده أو – للموضوعية – لعله من بين القلة النادرة من الأدباء الليبيين الذين إستطاعوا “تلييب” الرواية دون التورط في فخ التجريب في الشكل والإبتذال في اللغة والسرد ، ومع ذلك لم يحصل على ما يستحق من الإهتمام ، ربما لذات السبب الذي تحدث عنه ” ماريو فاراغاس يوسا ” في رسائله إلى روائي شاب ، عندما فصل بوضوح بين قوة الموهبة وأصالة الشغف وبين تحقيق النجاح والشهرة المرتبط أساسا بآليات السوق والدعاية الموجهة بنوايا سياسية وايديلوجية أو ما يسميه ” يوسا” من باب السخرية الحظ..