منصة الصباح
د. مجدي الشارف الشبعاني

ليبيا والشفافية المفقودة… هل يكون راتبك لحظي البداية؟

د. مجدي الشبعاني

لم يكن برنامج “راتبك لحظي” مجرد تحديث تقني أو أداة لمكافحة الفساد كما قد يظن البعض، بل هو خطوة جريئة في اتجاه مختلف تمامًا: تعزيز النزاهة والشفافية داخل مؤسسات الدولة الليبية.

فلأول مرة أصبح المواطن الليبي قادرًا على الاطلاع على مرتبه ومخصصاته المالية بشكل مباشر وبدون وسيط. قد تبدو هذه الخطوة بسيطة في ظاهرها، لكنها في حقيقتها تحوّل عميق؛ إذ مكّنت المواطن من أن يعرف حقه المالي بوضوح، وهو عنصر أساسي طالما غاب عن تجربتنا المؤسسية.

إن النزاهة الحقيقية لا تظهر في البيانات أو الشعارات، وإنما تتجلى حين تقوم الوزارات والهيئات والشركات بتسليم مرتبات موظفيها كاملة دون اقتطاع أو تأخير.

عندها نستطيع لأول مرة أن نقيس مستوى النزاهة في صرف المرتبات، وهو الباب الذي يستهلك ما يزيد عن ثلث الميزانية العامة. وهنا تتحول الشفافية من مجرد شعار إلى أداة عملية للتقييم والمساءلة.

ولعلنا نستحضر في هذا المقام قول الله تعالى:

﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [الأنعام: 152]،
وقول النبي ﷺ: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» [رواه ابن ماجه].

فهذه النصوص تؤكد أن العدل والوفاء بالحقوق من صميم ديننا وقيمنا.

الأهم أن الشفافية تفتح الباب أمام الرأي العام ليشارك في الرقابة. فحين يعرف المواطن تفاصيل مرتبه، يصبح قادرًا على كشف الخلل وإثارته علنًا: إذا استغل موظف منصبه، أو انحرفت جهة عن مسارها، أو جرى تلاعب بالمال العام.

وهنا يتحول المواطن من متلقٍ سلبي إلى شريك فاعل في حماية المال العام.

لكن الدرس الأكبر من هذه التجربة أن الشفافية لا يجب أن تتوقف عند باب المرتبات فقط. نحن بحاجة إلى تعميمها على كافة مؤسسات الدولة:

• في العقود والشراءات.
• في التعيينات والترقيات.
• في شغل الوظائف العليا والسيادية.

وهنا يبرز دور الحكومة. المطلوب ليس الاكتفاء بإطلاق المنظومة، بل استغلال هذا الظرف التاريخي لفتح تحقيقات شفافة وعلنية تكشف أي مخالفات سابقة في صرف المرتبات، وتعيد الثقة للمواطن بأن الدولة جادة في مكافحة الفساد.

مثل هذا الموقف لن يكون مجرد إجراء مالي، بل رسالة سياسية وأخلاقية بأن ليبيا تريد أن تؤسس لمرحلة جديدة من النزاهة.

إن النزاهة ليست شعارًا أخلاقيًا نعلقه على الجدران، بل هي منهج عملي لحماية المال العام وتعزيز الثقة بين المواطن والدولة.

وإذا كان “راتبك لحظي” قد فتح نافذة صغيرة في هذا الاتجاه، فإن التحدي الأكبر هو أن تتحول هذه النافذة إلى باب واسع يُدخل ليبيا إلى زمن الحوكمة الرشيدة والشفافية المستدامة.

شاهد أيضاً

خوري تناقش مع الدوسري آخر التطورات السياسية والأمنية

خوري تناقش مع الدوسري آخر التطورات السياسية والأمنية

ناقشت نائبة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية ستيفاني خوري مع السفير القطري …