منصة الصباح
د. مجدي الشارف الشبعاني

من الطموح إلى القانون: هل تغطي التشريعات منظومة راتبك لحظي؟

يشهد الواقع الليبي هذه الأيام حديثًا متزايدًا حول منظومة “راتبك لحظي” التي أطلقها مصرف ليبيا المركزي، والتي تهدف إلى تسريع صرف مرتبات موظفي الدولة بشكل فوري. ورغم أن هذه الخطوة تحمل وعودًا كبيرة في مجال مكافحة الفساد وتبسيط الإجراءات، فإنها تثير في الوقت ذاته إشكاليات قانونية جوهرية تستحق النقاش، خصوصًا في ظل التجربة الليبية المعقدة مع المنظومات الإلكترونية.
ولنبدأ بالإطار التشريعي الحاكم ، فالقانون الذي ينظم الإنفاق العام في ليبيا هو قانون النظام المالي للدولة لسنة 2008، والذي جاء ليحل محل القانون الصادر سنة 1967. هذا القانون نصّ بوضوح على أن:”المراقب المالي هو المسؤول عن صحة إجراءات الصرف في كل جهة إدارية. ولا يجوز صرف أي مبلغ إلا بعد التأشير عليه من المراقب المالي. وإصدار أوامر الصرف وإجازتها من اختصاصات محددة لا يمكن أن تُختزل في مجرد منظومة إلكترونية”.
وبالتالي، فإن أي آلية جديدة لصرف المرتبات يجب أن تكون منسجمة مع هذه النصوص، وإلا فإنها ستفتقر إلى الغطاء القانوني اللازم.
وهنا تبرز الإشكالية القائمة ، اليوم، تقوم منظومة “راتبك لحظي” عمليًا بدور يشبه دور المراقب المالي: إدخال المرتبات إلى الحسابات مباشرة بضغطة زر. وهنا تبرز عدة نقاط إشكالية:
1.تجاوز الرقابة المالية المسبقة المنصوص عليها في القانون.
2.غياب نص تشريعي يجيز للمنظومة أن تقوم مقام المراقب المالي.
3.خطورة تركيز السلطة المالية في منظومة مركزية واحدة قد تكون عرضة لسوء الإدارة أو الاستغلال السياسي.
ومع الإيجابيات المنتظرة ، حيث لا يمكن إنكار أن هذه الخطوة تحمل أهدافًا نبيلة، منها:تسريع صرف المرتبات وإزالة التعقيدات البيروقراطية.والحد من الفساد والازدواجية والتلاعب بالكشوفات.وخلق مسار شفاف يتيح للمواطن متابعة وضعه المالي لحظيًا.
لكن هذه الإيجابيات وحدها لا تكفي لتجاوز الفراغ القانوني.
وبالتالي لابد ان نتعلم الدروس من التجربة الليبية
فلقد خاضت ليبيا تجارب سابقة مع التحول الرقمي في عدة مجالات مثل منظومة الجوازات والحجز ومنظومة الرقم الوطني ومنظومة الحجز للعملة.
وجميعها أثبتت هشاشة الإدارة، ووقعت فريسة المركزية المفرطة وسوء الاختيار السياسي للقائمين عليها، مما جعلها تتحول من أدوات لتسهيل حياة المواطن إلى أدوات لتعطيلها أو استغلالها.
اذا فالحاجة ماسة إلى تعديل تشريعي، لكي تكون “راتبك لحظي” خطوة صحيحة ومستدامة، لا بد من:
1.تعديل قانون النظام المالي لسنة 2008 لإدخال مفهوم الصرف والرقابة الإلكترونية.
2.النص على أن المراقب المالي أو من يخوله هو من يعتمد الصرف عبر المنظومة الإلكترونية.
3.وضع ضمانات تقنية وقانونية مثل التوقيع الإلكتروني والتدقيق الفوري وإمكانية المراجعة لاحقًا.
وفي الختام فإن  منظومة “راتبك لحظي” فكرة إيجابية تحمل وعودًا كبيرة للمواطن الليبي، لكنها في وضعها الحالي تعاني من فراغ تشريعي خطير قد يجعلها عرضة للطعن أو سوء الاستغلال. إن نجاح هذه المبادرة يتوقف على مواءمة التحول الرقمي مع الإطار القانوني، حتى لا تتحول إلى مجرد تجربة جديدة تُضاف إلى سجل التجارب الفاشلة في الإدارة الليبية.
فالتحول الرقمي الحقيقي ليس مجرد “زر” يُضغط، بل هو منظومة تشريعية وإدارية وتقنية متكاملة، هدفها الأول والأخير خدمة المواطن لا تعزيز سلطة المركز

د . مجدي الشبعاني

شاهد أيضاً

عبدالرزاق الداهش

التفكير خارج البرميل

عبدالرزاق الداهش أكثر من 12 ألف موظف في مكتب للثروة الحيوانية بمدينة البيضاء. لا يمكن …