باختصار
المتجول في ساحات وميادين وأسواق طرابلس سيظن للوهلة الأولى أنه في جوبا عاصمة جنوب السودان، وذلك للزيادة الكبيرة في عدد الأفارقة القادمين من مختلف الدول الإفريقية جنوب الصحراء، هذه الزيادة أصبحت مصدر قلق للكثير من الليبيين، لا سيما بين النخبة، وذلك لأنها تعتبر تحديًا ديموغرافيًا، واقتصاديًا، وأمنيًا يجب التعامل معه بحكمة ووعي، ليس فقط على المستوى الرسمي، بل أيضًا على المستوى غير الرسمي، مثل دور المنظمات الأهلية، والإعلام، وتفاعل عامة الشعب مع هذه الأعداد الكبيرة التي تثير العديد من التساؤلات والمخاوف حول التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية لهذا الواقع الجديد.
الجميع يعلم أن وجود الأفارقة في ليبيا يمثل قوة عمل كبيرة تساهم في العديد من القطاعات التي تعاني من نقص في العمالة المحلية، مثل الزراعة، والرعي، والبناء، والخدمات المنزلية، وبعض المهن الأخرى، ويعمل هؤلاء الأفارقة غالبًا بأجور تتراوح من متوسطة إلى منخفضة مقارنة بغيرهم، كما أن الكثير من أصحاب الأعمال يعتمدون على هذه القوة العاملة لرخص تكاليفها واستعدادها للعمل في بيئات مختلفة.
ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح: هل ليبيا تحتاج لهذا الكم الكبير من الأيدي العاملة؟ إذ إن زيادة أعداد الأفارقة في البلاد بشكل غير منظم لها تأثيراتها السلبية في المجتمع، منها تكدس الأحياء العشوائية وزيادة الضغط على الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، وحتى المسكن، إذ أن وجود هذا العدد الكبير من الأفارقة يسهم في ارتفاع أسعار إيجار المساكن.
كما لا يمكن إغفال البعد الأمني لوجود الأفارقة في ليبيا، خاصة في ظل الوضعين السياسي والأمني المضطربين في البلاد، فقد أدى غياب الدولة المركزية والحدود غير المُحكمة إلى تسهيل دخول المهاجرين غير النظاميين، الذين يستخدمون ليبيا كنقطة انطلاق نحو أوروبا، لكن ليبيا تتحول عند الكثير منهم إلى بلد استقرار وإقامة وعمل وليس مجرد ممر للعبور، خاصة مع الجهود الكبيرة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية لمحاربة الهجرة غير الشرعية، والاتجار بالبشر وتهريبهم إلى أوروبا.
زد على ذلك، فإن وجود مهاجرين غير موثقين بأعداد كبيرة يجعل من الصعب تتبع الأنشطة الإجرامية التي قد يكون بعضهم جزءًا منها، ما يزيد من تعقيد المشهد الأمني في البلاد، ناهيك عن تجمع هؤلاء الأفارقة في أماكن سكنية معينة من العاصمة، ما يسهم في انتشار الجريمة داخل هذه الأماكن.
لذلك، فإن الدولة الليبية تحتاج إلى اتباع استراتيجية متوازنة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الإنسانية والاقتصادية والأمنية لوجود الأفارقة على أراضيها، بحيث تشمل احترام حقوق المهاجرين، وتوفير ظروف معيشية كريمة لهم من جهة، وتنظم عمليات الدخول والإقامة والعمل للحد من الوجود غير المنظم والتبعات السلبية التي قد تنجم عنه من جهة أخرى، وكل ذلك يتطلب تعاونًا إقليميًا ودوليًا فعّالًا.