منصة الصباح

لِمَاذَا مُفَوَّضِيَّتُنَا تَمْنَع تَفَاعُلَنَا؟

باختصار

يقال إن الديمقراطية تقوم على المشاركة وحرية الرأي والتعبير، وأن المؤسسات السيادية هي حراس هذه القيم، لكن يبدو أن بعض المؤسسات الليبية وضعت هذه القيم في الهامش… فالمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، التي يفترض أن تكون قلب العملية الديمقراطية، أقفلت التعليقات على صفحتها الرسمية على الفيس بوك، وكأن المواطنين مجرد مراقبين صامتين في مسرحية انتخابية، أو جمهور في سينما يُمنع عنهم التصفيق أو التعليق.

نعم، يمكننا أن نضغط على زر (أعجبني)، وكأن هذا يكفي للتعبير عن رأينا، وكأننا في عصر ما قبل الإنترنت، حيث كان الرأي يسجل في دفاتر لا يقرأها أحد. بينما التعليقات، والتي تمثل الطريقة الأساسية لمعرفة ردود فعل الجمهور، تم قفلها وكأنها قنبلة موقوتة قد تفجر النظام الانتخابي، أو… الله أعلم، قد تُحرج أحد المسؤولين بمفوضيتنا العليا.

الأمر أشبه بمشهد كوميدي، مؤسسة تنتقد نفسها بنفسها، تنشر أخباراً عن دورها الحيوي في ضمان نزاهة الانتخابات، لكنها تخشى مشاركة المواطنين بملاحظاتهم. فالديمقراطية عندهم كتاب يُعرض في المكتبة، يمكنك النظر إلى الغلاف فقط، لكن غير مسموح لأحد بلمسه أو الاطلاع على محتوياته.

أستغرب أن مسؤولي المفوضية لا يدركون أن زمن الإغلاق الإلكتروني وتكميم الأفواه قد ولى، وأن الفترة الرقمية تتطلب فهم هذه الحقيقة والتعامل معها بمرونة وحكمة، فالنقد اليوم جزء لا يتجزأ من الشفافية والمسؤولية الوطنية، وليس تهديداً.

لهذا، فإنه ومن منطلق المسؤولية الوطنية، على المفوضية أن تتقبل النقد والملاحظات وتتجاوب معها، فلا يجب أن يفهم بعض المسؤولين فيها أن كلمة (العليا) الموجودة في اسمها أنها تعني أنها أعلى من الجميع، بل هي تعني التزاماً أعلى تجاه الشعب والديمقراطية.

النقد البناء أداة رئيسية لتطوير الأداء المؤسسي، وتعزيز الثقة بين المواطنين والدولة، وسماع رأي الناس وملاحظاتهم لا يقلل من قيمة المؤسسة ولا ينتقص من المسؤولين فيها، بل يزيدها مصداقية، ويثبت التزامها بالديمقراطية وحرية التعبير.

كما أن المجتمع الرقمي اليوم لا يقبل التعتيم أو الإغلاق، والمواطن هو شريك أساسي في العملية الانتخابية، لا مجرد متابع صامت، وعلى المفوضية أن تعيد فتح قنوات التواصل وتشجع المواطنين على المشاركة الفاعلة، وأن ترى النقد فرصة للتطوير لا تهديداً.

باختصار، على مفوضيتنا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كجسر للتفاعل والشفافية، والاستفادة من الملاحظات لتصحيح المسار وتحسين الأداء، فالديمقراطية الحقيقية تقاس بالاستماع إلى المواطن، وليس بعدد الإعجابات على المنشورات.

د. علي عاشور

شاهد أيضاً

عبدالرزاق الداهش

ورطة ساركوزي!

عبد الرزاق الداهش موضوع التمويل الليبي لحملة ساركوزي الانتخابية، أعتبره مكسبًا للمخابرات الليبية. فجهاز استخباري …