منصة الصباح

حُرُوبُ الإعْلَامِ… وزَعْزَعَةُ الوِئَامِ

        منذ القدم لم تكن الحروب تخاض بالقوة العسكرية فقط، بل تدار أيضاً بالإعلام وإن اختلفت أشكاله ووسائله، حيث يحول الإعلام وقت الحرب إلى أدوات فاعلة في رفع المعنويات، وتشكيل وعي الشعوب وتوجيه الرأي العام المحلي والدولي بما يخدم مصالح مستخدميه، ويهدف إلى الإطاحة بمعنويات الخصم ومن يقف إلى جانب.

ففي قلب الحرب الدائرة بين الشعب الإيراني ضد العدو الإسرائيلي وحلفاءه، تظهر بوضوح ملامح هذا النمط من الحروب غير التقليدية، حيث تستخدم الصورة والمعلومة كلغة داعمة للهجمات الصاروخية.

الكيان الصهيوني المدعوم عسكرياً واستخباراتياً وإعلامياً، حرص على تحويل كل عملية استهداف داخل إيران إلى مادة دعائية مشحونة بالخوف والدراما، فمشاهد الدمار وصور الازدحام، والنزوح الجماعي من العاصمة الإيرانية، تنشر وتبث بكثرة وبإخراج احترافي لتكريس صورة بلد مضطرب لا يستطيع حماية نفسه.

هذه ليست صدفة، بل جزء من هندسة وعي جماعية تهدف إلى كسر المعنويات وتضخيم الشعور بالعجز، مع تعمد إغفال الرواية الإيرانية الرسمية، أو تصويرها على أنها كاذبة وغير موثوقة أو يتم حجبها عن العالم.

وفي تطور لافت، شهدت إيران منذ أيام الحرب الأولى قطعاً كاملاً لخدمات الإنترنت، وسط صمت دولي مريب، هذا الحجب لا يمكن فصله عن الضربات الأميركية الأخيرة على مواقع داخل إيران، وما تبعها من تعتيم إعلامي غربي.

 الهدف واضح، هو زعزعة وئام وقوة الشعب الإيراني، وحرمانه وقادته من التواصل، ومنع العالم من رؤية ما يجري، إنها حرب على الحقيقة، وليست مجرد استهداف للبنية التحتية النووية كما يروج الغرب، ولا تدبيراً أمنياً عابرًا، بل سياسة ممنهجة لإخفاء الانتهاكات التي يقترفها العدو الصهيوني وحلفاءه في الأراضي الإيرانية.

 الإعلام الغربي لا يكتفي بالتضليل، بل يتعمد إخفاء معلومات جوهرية عن توقيت الضربات ومواقعها، متجاهلًا قصف منشآت استراتيجية مثل التلفزيون الإيراني.

 أرادوا تمرير رواية واحدة، وهي أن إيران تنهار، لكنهم تناسوا أن الشعب الإيراني قد خبر الحروب وتعود على شتى أنواع العقوبات والحصار لعقود، من حرب الثمانينات إلى المواجهة مع داعش، وظل صامدا ومتماسكا.

       في المقابل، كشف الواقع الإسرائيلي عن هشاشة داخلية واضحة، الكيان الذي طالما سوق له بأنه قوي، أظهر في كل حرب ضيقاً وانزعاجاً من المبيت في الملاجئ، وجبناً من الصواريخ، وما الذهول الذي أصاب قواته في هجمات طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 ببعيد.

         صحيح أن العدو الإسرائيلي يمتلك ترسانة عسكرية، لكنه يفتقر إلى جبهة داخلية شجاعة تتحمل الاستنزاف والحرب طويلة الأمد، وصحيح أنه يمتلك تقنيات عسكرية متطورة، إلا أنه يعاني من هشاشة نفسية عميقة، وشعب لا يحتمل إطالة أمد الحرب أو العيش في ظل الخوف والقلق المستمرين.

      فكل مواجهة يكشف فيها الاحتلال عن ضعف الإرادة الشعبية لديه، وعن تفكك داخلي سرعان ما ينعكس على قرارات القيادة العسكرية والسياسية. وهنا، تظهر المفارقة بين من اعتاد الصمود في وجه الحصار والدمار، ومن تربى على الرفاهية ويخشى فقدانها.

       في الحروب الإعلامية، من يملك النفس الطويل، وتجربة الألم، والقدرة على الصمود، هو من ينتصر، والجمهورية الإسلامية الإيرانية رغم محاولات الحصار والتشويه، تقف على أرضية شعب له خبرة في الصراع، وجلد على تبعاتها، فيما يقف العدو الصهيوني على رمال نفسية متحركة تخشى من طول المواجهة أكثر من قوتها…

د. علي عاشور

شاهد أيضاً

وتبقى طرابلس نخلة عالية

أحلام محمد الكميشي كثير من سكان المدن الليبية يعتبرون طرابلس العاصمة التي تحتكر كل شيء، …