منصة الصباح

حُقُوقُ الإِنسَانْ… في خَبَرِ كانْ

باختصار

       حقوق الإنسان في ليبيا تشبه القطار السريع، نراه يمر في الدول الأخرى، لكن لا مكان له عندنا، فلو سألت أحد المسؤولين عن وضع حقوق الإنسان في ليبيا، لأخرج لك تقريراً مطبوعاً في مجلد فخم وعلى ورق ناعم، فيه صور ملونة، وجمل مطاطية منمقة مثل: (نحن نحرص على كرامة المواطن… نلتزم بتعزيز حقوق الإنسان وفقاً للمواثيق الوطنية والدولية) ….، وكأن المواطن الليبي يعيش في سويسرا، لكن منزوعة الجبنة.

      أما الحرية، فهي مصطلح أنيق موجود فقط في منشورات المنظمات الدولية، وعلى جدران مؤسسات حقوق الإنسان المتناثرة في أنحاء المعمورة. أما في الواقع الليبي، فهي كائن أسطوري، ييتم استدعاؤه في الندوات، لكن سرعان ما يختفي عندما يخرج من القاعات.

 والأعجب من ذلك، هو هذا الصمت الذي يخيم على الجميع، صمت المواطن، لأنه خائف، وصمت النخبة؛ لأنها مقيدة بوهم المصالح، وصمت في سدة البرلمان؛ لأنه لا يسمع إلا صوت المصروفات، وصمت الإعلام، لأنه مشغول بتغطية الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة بحضور عدد من المسؤولين، رغم أن الصحفي نفسه لا يستطيع دخول قاعة المؤتمر بدون دعوة وموافقة من الجهة المعنية.

      وإذا حاولت أن تسأل: أين حقوق الإنسان؟ يأتيك الرد الشهير: (والله الدولة تمر بظروف صعبة، خلينا نهدوا الأوضاع). طبعاً؛ لأن حقوق الإنسان تحفظ في الثلاجة، وتخرج فقط في مواسم التقييم الدولي، حالتها كحالة التمر في رمضان.

      لا أحد يطالب بالكمال؛ لأننا نعرف أنه غير موجود على سطح هذه البسيطة، لكن على الأقل قليل من احترام أدمية هذا الجنس البشري…. قليل من الحقيقة…. قليل من الجرأة في مواجهة هذا العبث بكرامة وجسد الإنسان.

     نحن لا نريد أن نعيش مثل السويد، نريد فقط أن نعامل ككائنات بشرية… نملك أسماء، وليس فقط أرقاماً وطنية وملفات أمنية.

       فيا من تتحدثون عن رؤية وطنية لحقوق الإنسان في هذا البلد … أرجوكم، لا تجعلوها رؤية بالمعنى الحرفي (نراها فقط في المنام) …  كما نرجوكم أن تحددوا لنا هل هذه الرؤية تحتاج إلى نظارة طبية؟ أم أنها مكتوبة بحبر سري لا يرى إلا تحت ضوء التصفيق الرسمي؟ كفاكم متاجرة بشعارات لا تصلح حتى لتزيين جدران الممرات بمؤسساتكم الرسمية.

      نريد وطناً لا تقاس فيه كرامة المواطن بدرجة ولائه، ولا يوزن فيه حقه بميزان المحاباة، وطن لا يضطر فيه الصحفي لارتداء خوذة قبل أن يكتب، ولا المواطن للبحث عن محامي قبل أن يتكلم.

      نحن نعرف أن الواقع فيه من المرارة ما فيه، لكن لا تحاولوا تحليته بالسكر الاصطناعي لتصنعوا منه تقريراً دولياً بنكهة الكذب، فحتى التجميل له حدود، إلا في الحالة الليبية، حيث استطاع المسؤولين أن يزرعوا ابتسامة حقوقية على وجه معتقل لم يفعل شيء سوا أن لديه رأي مختلف.

د. علي عاشور

شاهد أيضاً

الشجرةُ التي تمشي....توثق تجربة فاطمة بن محمود الإبداعية

الشجرةُ التي تمشي….توثق تجربة فاطمة بن محمود الإبداعية

صدر حديثا عن دار الأمينة للنشر والتوزيع بالقيروان تونس للدكتورة أستاذة النقد والأدب الحديث بجامعة …