منصة الصباح

بخُورُ العِيدِ… وَعَدْوَى التَّقْلِيدِ

كان الليبيون في العيد يستيقظون باكراً، يفطرون على بضع تمرات أو على العصيدة الدافئة، ومنهم من يبدأ يومه بتناول قطع من فطيرة و”سفنز”... وكلها تعدها ربات البيوت … يرتدي الرجال ملابس جديدة ويتعطرون، لا ليقفوا أمام الكاميرات بل ليقفوا بين يدي الله في صلاة العيد.

     أما اليوم فقد تغيرت طقوس العيد، فصار بعض الأزواج يقفون بوقار مصطنع، أمام عدسات هواتف زوجاتهم، تلتف حولهم سحابة من البخور، يبتسمون للكاميرا، ويمدون رزم الدينارات.

 نحن لا نناقش العطاء، فالعيد فرحة، والهدية تعبير عن الود والمحبة، لكننا نسأل: منذ متى صار البيت الليبي مشاعاً بصرياً؟ ومنذ متى صار العطاء عرضاً مسرحياً، والبخور إعلاناً مصرفياً؟ ومنذ متى صار الرجل الليبي، الذي شابت لحيته وأثقلت خطواته تجارب الحياة، يقف ضاحكاً كطفل صغير، يلوح بالمال أمام الناس؟

وما يزيد من بشاعة هذا المشهد أن بعض النساء اللواتي يقمن بالتصوير والتبخير يظهرن في المقاطع بزينة واضحة، وقد بانت أيديهن ومظهر لباسهن بشكل لا يليق، وكأن المناسبة فرصة للاستعراض لا للاحتفاء.

      فأين الغيرة؟ وأين الرجولة؟ وأين التربية التي كنا نفاخر بها حين كانت المرأة الليبية لا تخرج إلا بحشمتها، ولا تظهر زينتها إلا لمن أحله الله؟

 فليس في هذا خلق ديني، ولا موروث ثقافي، ولا ذوق اجتماعي، ولا حتى من صفات الرجل الليبي، هو فقط سلوك هجين، تسرب لمجتمعنا من نوافذ التقليد الأعمى، وسرعة التصوير والانتشار، وغباء الفاعلين، ونفاق المتفاعلين، والوله “بالترند” الذي لا طائل منه غير تلقي عبوات من عبارات التنمر والاستهزاء.

    البخور في الثقافة الليبية من طقوس الهيبة، تبخر به المجالس، لا تبخر به الرجولة، يعطر به البيت، لا تنشر به المقاطع على المنصات الإلكترونية، حتى أنه لم يعد للبخور رائحة طيبة، إذ أنه صار وسيلة عرض… عرض لزوج يعطي، وزوجة تأخذ، وجمهور يستهزئ بكليهما.

    المشكلة ليست في إعطاء المال والهدايا للزوجات، ولا في مناسبة العيد، بل في العقل الذي يرى أن الخصوصية صارت محتوى يجب أن يراه القاصي قبل الداني، وفي الوعي الذي يساوي الستر بعدد المشاهدات، والرجولة بالإعجاب والإيموجي.

     نحن أمام سلوك لا يليق، لا بالشيب الذي على رؤوسنا، ولا بالتقاليد التي صنعت هيبتنا أمام أسرنا ومجتمعنا، ولا بالدين الذي علمنا أن (الحياء شعبة من الإيمان).

    فهل نحن بحاجة لحملة توعية؟ أم بحاجة فقط لقليل من عقل؟ أم أننا نحتاج إلى الاثنين… وربما أكثر.

د. علي عاشور

شاهد أيضاً

“ميتا” تواجه دعوى قضائية بتهم هيمنة واستحواذ

  تستعد شركة “ميتا”، المالكة لمنصات “فيسبوك” و”إنستغرام” و”واتساب”، لمواجهة حاسمة أمام لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية …