باختصار
د. علي عاشور
مع اقتراب عيد الفطر، تتحول الأسواق الليبية إلى ساحات معارك اقتصادية، حيث يجد أولياء الأمور أنفسهم في مواجهة غير متكافئة مع الأسعار التي لا ترحم.
تبدأ الرحلة بمهمة تبدو في ظاهرها بسيطة وهي شراء ملابس جديدة للأطفال، لكنها سرعان ما تتعقد لتصبح مغامرة محفوفة بالمخاطر تتطلب أعصاباً فولاذية، وقوة تحمل وصبر استثنائية، وحساباً مصرفياً لم تؤثر فيه نفقات السفرة الرمضانية.
كل عام يتكرر المشهد نفسه: المواطن يخرج إلى المحلات متأملًاً إيجاد ملابس بأسعار معقولة، والتجار يستعدون لجني موسمهم الذهبي، والنتيجة؟ أسعار تجعلك تتساءل إن كنت تشتري ملابس لطفلك أم تسدد أول قسط في شراء شقة سكنية…. فالقمصان تباع وكأنها مطرزة بخيوط من ذهب، والسراويل كأنها مصنوعة من أنسجة فضائية، بينما الأحذية تأتي بأسعار تجعلك تفكر مرتين قبل أن تسمح لطفلك بارتدائها خارج المنزل.
في الماضي كان شراء بدلة واحدة للطفل يكفي، أما اليوم فقد تغيرت العادات والمعايير كما تغيرت قبلهما نفوس البشر، فأصبحت البدلة الواحدة غير كافية، فلا بد من ثلاث بدلات على الأقل: واحدة لصلاة العيد، وأخرى للزيارات العائلية، وثالثة لجلسات التصوير التي أصبحت شرطاً أساسياً في الاحتفال، لأن العيد لم يعد مجرد مناسبة دينية عند الكثيرين، بل مهرجاناً استعراضياً يُقاس بمدى تألق الصور المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي حالات الواتساب.
العيد لدى الكثير من العائلات الليبية ليس فرحة داخلية بقدر ما أصبح استعراضاً جماعياً للحياة الفاخرة، حتى لو كانت ممولة بالكامل بواسطة الديون.
أما الآباء فقد صاروا فرائس لهذه العادات والتقاليد الجديدة، يجوبون المحلات بحثاً عن عروض لن يجدوها أبداً، ويخوضون معركة تفاوضية مع البائعين الذين ينظرون إليهم وكأنهم طلاب صدقات، وعند السؤال عن سبب الغلاء الفاحش، يأتي الجواب دائماً بنفس النغمة: الدولار طلع، وكأن هذا الدولار لا يتحرك إلا قبل الأعياد، ولا ينخفض إلا بعد أن تفرغ جيوب المواطن الغلبان تماماً.
ووسط كل هذا فإن الجهات المسؤولة عن ضبط الأسعار تغط في نوم عميق، وربما تتابع المشهد من بعيد، تراقب دون تدخل، وكأنها تؤمن بأن الأعياد ليست مناسبة للفرح فقط، بل أيضاً لاختبار قدرة المواطن على الصبر والصمود.
وهكذا يخرج الأب من شارع المحلات مرهقاً، ليس فقط بسبب الأكياس التي يحملها حتى يصل سيارته المركونة بعيداً، بل أيضاً بالديون التي تراكمت عليه، ويغادر المكان وهو يتساءل: هل العيد فرحة حقيقية، أم أنه مجرد فرصة موسمية لامتصاص ما تبقى من مرتبات المواطنين؟