منصة الصباح

الْقِيَمُ تُطْوَى.. في عِيلِتْنَا أَقْوَى

     برامج المنافسات في القنوات الفضائية الليبية أصبحت أكثر إثارة من مباريات الملاكمة، وما برنامج (عيلتنا أقوى) ببعيد، فهو يضيف نكهة جديدة في عالم الطبخ، ولكن ليس بنكهات التوابل والبهارات، بل بنكهة الصراخ والصراع والتوتر، فالبرنامج، الذي يفترض أن يكون منافسة في مهارات الطبخ بدعم أحد أفراد العائلة، تحول إلى حلبة مصارعة، حيث لا ينجو أحد من اللكمات اللفظية، سواء المتسابقات أو مرافقاتهن، بينما يتابع المشاهدون البرنامج في حالة من الذهول.

       نحن الليبيون نحب المنافسة أياً كان نوعها ومجالها، ونستمتع بروح التحدي، لكننا لم نكن نتصور أن تتحول برامج الطبخ إلى معارك كلامية مفتوحة، فبدلاً من التركيز على الطهي، أصبحنا نتابع مباريات حادة بين المتسابقات، وبين الشيف وإحدى المتسابقات، وأحياناً بين أمهات المتسابقات فيما بينها، حتى يخيل إلينا أننا نشاهد مشاهد مقتطعة من مسلسل درامي مكسيكي مدبلج باللهجة الليبية، لاسيما وأن مقاطع التراشق بالألفاظ غير اللائقة تزاحم كل متصفحي صفحات التواصل الاجتماعي.

البرنامج لا يكتفي بجعل المنافسة شرسة فحسب، بل يبدو أنه يتعمد خلق أجواء متوترة بين المتسابقات ومن معهن، فلا تمر حلقة دون تبادل كلمات حادة أو تصرفات غير لائقة.

       بنات وسيدات يدخلن البرنامج بشغف الطهي، (أو هكذا يرعمن)، لكنهن يخرجن بمصطلحات جديدة في قاموس (التنمر التلفزيوني)، مع جرعة زائدة من الصراخ والتصرفات غير اللائقة، وكأن النجاح في البرنامج لا يعتمد على جودة الطبخ ومذاقه بقدر ما يعتمد على القدرة على رفع الصوت والمشاجرة أمام الكاميرا.

      لا يختلف معي اثنان على أن المرأة الليبية لها مكانتها الرفيعة في الأسرة والمجتمع، وهي ليست بحاجة إلى من يعلمها كيف تعد أطباقها أو تدير مطبخها، لكنها في هذا البرنامج، تجد نفسها عرضة للإهانة والسخرية، ومادة دسمة للتنمر من قبل المشاهدين ومتصفحي مواقع التواصل الاجتماعي.

      ألا تعلم المشاركات أنهن يعاملن معاملة غير لائقة؟، وأن البرنامج يستخدمهن كأداة للترفيه والتسلية؛ لجذب أصحاب الإعلانات للقناة والبرنامج؟ فهن في هذا السياق مجرد وسيلة يتم توظيفها لإثارة الجدل، وصناعة مشاهد درامية قد تكون مفبركة لزيادة التشويق، حيث يقدم الصراع والتوتر كعنصر جذب أساسي، بينما تهمش القيم الحقيقية للمنافسة والاحترام المتبادل، وما زاد الطين بلة هو أن البرنامج يسمح لشخص غريب عن المشاركات بالصراخ عليهن بشكل أثار حفيظة شريحة واسعة من مشاهدي البرنامج…

     البرامج التلفزيونية ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل هي مرآة تعكس ثقافة المجتمع وقيمه، وإذا كانت فكرة البرنامج قائمة على إبراز التعاون بين أفراد العائلة، فمن باب أولى أن يتم ذلك في جو من الاحترام والرقي، لا في بيئة تحول المطبخ إلى ساحة معركة، لاسيما وأن الكاميرات تقوم بتصوير وتسجيل كل حركة في البرنامج.

    ولكن، هل يمكن اعتبار هذا النوع من البرامج انعكاساً حقيقياً للعائلة الليبية وقيمها؟ أم أننا أمام نسخة مشوهة تسعى وراء التفاعل الافتراضي والمكاسب الإعلانية على حساب القيم الأخلاقية والمجتمعية؟ ربما آن الأوان لإعادة النظر في مضمون هذه البرامج، قبل أن تصبح ثقافة الصراخ والتنمر جزءاً من الترفيه العائلي اليومي.

د. علي عاشور

شاهد أيضاً

الدولية للهجرة تسهّل العودة الطوعية للمهاجرين من ليبيا إلى نيجيريا

الدولية للهجرة تسهّل العودة الطوعية للمهاجرين من ليبيا إلى نيجيريا

أصدرت المنظمة الدولية للهجرة (IOM) اليوم بيانًا صحفيًا أفادت فيه بتيسيرها لعمليات العودة الإنسانية الطوعية لمهاجرين …