باختصار
د. علي عاشور
في وسط الصحراء الليبية الشاسعة، اجتمعت الحشود الشبابية من مختلف المدن الليبية لمتابعة سباق رالي تي تي المثير في نسخته العاشرة هذا العام، شباب من كل المدن الليبية كانوا يتابعون لحظة الإعلان -بفخر- عن الفائز الأول الذي تسلم جائزة مالية ضخمة قدرت بمليون دينار ليبي، ناهيك عن المبالغ الأخرى التي سلمت لبقية الفائزين، الأمر الذي جعل من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تزدحم بالصور ومقاطع الفيديو موثقة تلك اللحظات، في مشهد يعكس مدى الاهتمام الكبير الذي يوليه الليبيون بالرياضة الصحراوية، لكنه في الحقيقة يثير عدداً من التساؤلات حول أولويات المجتمع ودوره في توجيه الدعم والتشجيع نحو ما يعزز التنمية البشرية والقيم الروحية والثقافية لدى أفراده.
لا أحد ينكر أن للراليات الصحراوية بريقها الخاص؛ فهي تجمع بين الإثارة والمتعة، وتساهم في تنشيط الحركة السياحية والاقتصادية، بالإضافة إلى دورها في التعارف والترفيه وربط المواطنين بثراب بلادهم الفسيحة.
لكن حين يتم منح الفائز في سباق رياضي جائزة مالية ضخمة كهذه، فإن الأمر سوف يثير عدداً من التساؤلات حول المعايير التي نحدد بها نحن الليبيون ما يستحق التشجيع والاستثمار والدعم، أوليس الأجدر أن تكون مثل هذه المبالغ والجوائز تشجيعًا لطلاب العلم والمعرفة لحثهم على التفوق في المجالات العلمية والابتكارية المختلفة، أو تكون حافزًا للشباب والمراهقين على حفظ كتاب الله؟.
إذ إن تشجيع حفظة القرآن الكريم ليس مجرد تكريم لأفراد تفوقوا في الحفظ والتجويد، بل هو رسالة تعبر عن تقدير الأمة الليبية لجوهر هويتها الثقافية والدينية، لاسيما وأن هؤلاء الشباب الذين يسهرون الليالي في حفظ كتاب الله يسهمون في بناء مجتمع أكثر وعيًا وثباتًا على القيم الأخلاقية، في زمن انتشرت فيه المغريات وكثرت فيه الترهات.
إن المسألة هنا لا تتعلق بتقليل أهمية الراليات أو التقليل من جهد المتسابقين، بل بضرورة إعادة التوازن في توزيع الاهتمام والدعم، فبينما تُخصص مبالغ طائلة للرياضات الصحراوية، يجدر بنا أن نسأل: أين يقف المجتمع من أولوياته العلمية والثقافية والدينية؟ هل نغفل عن دعم من يسعون لتقدم هذا المجتمع علمياً وتنموياً، أو من يتبثون لصون دينهم في وقت يحتاج فيه الشباب إلى نماذج تحتفي بالعلم والقيم النبيلة بقدر ما تحتفي بالمغامرة والإثارة؟.
لهذا فإنه يجب إعادة النظر في استراتيجيات الدعم والتشجيع التي نتبناها كأمة، بحيث تكون المبادرات العلمية والدينية والثقافية في مكانٍ يليق بها إلى جانب الأنشطة الترفيهية، فبناء مجتمع متماسك لا يعتمد فقط على رياضة سريعة تتناثر رمالها في الصحراء، بل أيضًاً على استثمارات طويلة الأمد في أدمغة أبنائه ليكون مستقبلهم أفضل.