منذ أن دخلنا الجامعة ونحن نسمع بمصطلح التغيّر الاجتماعي الذي يصارع استقرار المجتمعات، ليحقق هدف عدم بقائها على حالة واحدة، ولو لفترة طويلة على الأقل، وهو أمر طبيعي لاسيما عندنا نحن المسلمون فسبحانه الذي يغير ولا يتغير، لكن الأمر منوط بما إذا كان هذا التغير تقدما إلى الأفضل، أو يكون نكوصاً وتقهقرًا إلى الوراء.
وإذا ما نظرنا إلى الأسرة الليبية تحديداً، لوجدنا أنها تغيرت بشكل كبير جداً، حيث انتقل شكل الأسرة من الممتدة إلى النووية، ما أدى إلى ظهور أدوار جديدة لم تكن معروفة في السابق، كما تخلت الأسرة عن عدد غير قليل من وظائفها التقليدية، حتى تكاد تقتصر على بعض الوظائف المحدودة مثل مهمة الإنجاب، وتزويد المجتمع بعناصر جديدة للمحافظة على النوع من الاندثار، حيث ظهرت مؤسسات –وفي مقدمتها وسائل الاتصال- افتكت من الأسرة جُل وظائفها تقريباً.
وإذا ما أردنا وضع إدراج عملي عن تأثير وسائل الاتصال والإعلام في الأسرة الليبية، سنرى أنه عند بداية ظهور الفضائيات التلفزيونية في المجتمع الليبي، كان غير مسموح للفتاة أن تشاهد الكثير من المسلسلات والبرامج التي تبث في تلك الفضائيات مع الأب والأخوة الذكور، بسبب الحشمة والهيبة والوقار، بعدها بفترة لم تصل إلى الثلاثين عاماً (وهي فترة قصيرة في عمر الدول والشعوب) اختفت تلك الهيبة والحشمة في الكثير من البيوت الليبية، فأمسى كافة أفراد الأسرة ذكوراً وإناثاً بصحبة الوالدين يشاهدون المسلسلات التركية والهندية وقبلها المكسيكية، مع معرفتنا جميعاً أن مثل هذه المسلسلات تحتوي على مشاهد مخلة بالآداب العامة، ناهيك عن ما تنشره من أفكار مخالفة لديننا الإسلامي، ولثقافة مجتمعنا الليبي المحافظ.
ثقافات ما كانت لتنتشر لولا وسائل الاتصال وغزوها للبيوت والعقول معاً، فتلك الوسائل قامت بفاعلية بتقليص الثقافة المحلية وتوسيع الثقافة العالمية، كما أن الإدمان على استخدام تلك الوسائل ساهمت في تقليص الزمن المخصص للعلاقات الاجتماعية والأسرية، وبروز بعض الأفعال والسلوكيات غير الأخلاقية، فمن منا يستطيع الاستغناء على هاتفه المحمول وهو جالس بين أفراد أسرته؟، حتى أضحى اجتماع العائلة في غرفة واحدة مجرد أجسام ليس إلا.
لهذا فإن وسائل الاتصال نجحت في أن تبعد الفرد عن قضاياه المحلية المرتبطة بواقعه المعاش، فأجيال الحاضر تُمارِس التخاطب والترائي والتشبيك والمعايشة عبر الشاشات والشبكات والأجهزة في تطوّر مذهل تخطّى قدرة التصورات، وقد يعجز الذين وُلِدوا في القرن الواحد والعشرين عن إدراك شكل الحياة التي كانت بلا عالم شبكي أو أجهزة محمولة أو مواقع تواصل أو صور ذاتية أو بثّ مرئي، كل هذه التطورات التقنية قلبت الحياة الاجتماعية بما تحمله من عادات وتقاليد وأعراف اجتماعية رأساً على عقب.