د.علي المبروك ابوقرين
مرت ليبيا قبل ظهور النفط بفترات عصيبة لشح الموارد ، ودفعت البلاد اثمان باهظة في الأرواح نتيجة الأمراض والفقر والجهل ، وشهدت من بداية الربع الأخير من القرن الماضي تحول كبير في الخدمات الصحية ، وحققت مؤشرات إيجابية في البنية التحتية الصحية ، والنتائج الإحصائية والمؤشرات الصحية الدولية ، وفي الفترات الآخيرة تراجع القطاع الصحي الليبي وتفتت النظام الصحي ، وسأت الخدمات الصحية ، مما يستوجب تبني برنامج عاجل للإصلاح الصحي والذي يجابه حزمة من التحديات التي تعرقل برامج الإصلاح ومنها …
– هيكلية القطاع الصحي الإدارية والتي تحدد معالم النظام الصحي وخواصه ووظائفه ومسؤولياته ، والتي يشوبها الفوضى والتفتت والعشوائية
– القوانين والتشريعات والسياسات الصحية والتي أصبحت حبيسة الأدراج وكل القرارات والإجراءات المتبعة لتسيير القطاع مخالفة في معظمها للقوانين واللوائح والنظم المعتمدة ، والأجدر الالتزام بها وتعديلها إذا تطلب ذلك وفق الأليات والاجراءات الحاكمة
– ترتب عن ذلك فوضى التوظيف وتكدس ثلاثة أضعاف الأعداد المطلوبة بديوان الوزارة والجهات التابعة لها ، والتي شهدت التوسع دون ضوابط وبالمخالفة الإدارية والقانونية والمالية
– غياب التوصيف الوظيفي ومعايير التشغيل ومؤشرات تقييم الاداء جعلت معظم الوظائف من أعلى الهرم للقاعدة غير مطابقين ولا مناسبين للهياكل التنظيمية المثالية والوظائف ومتطلباتها الفعلية
– هيئات ومؤسسات ومراكز وخلافه لا طائل منها إلا إنها امبراطوريات مكدسة بالوظائف وتعود بالنفع على شاغليها ، وبالخسائر الفادحة على الدولة والمجتمع
– عدد الموظفين بديوان الوزارة والجهات التابعة لها 154.100 من اجمالي كامل القوى العاملة الصحية البالغ عددهم 254.000 ،
– يعمل القطاع الصحي من خلال نظام صحي يغطي كل الخدمات الصحية وليبيا بها بنية تحتية صحية معقولة حين اكتمال إنشائها ، ولم تتطور وفق النمو السكاني والتوسع الديموغرافي ، وتزايد مخاطر الأمراض ، والتقدم التكنولوجي والتقني في التجهيزات الطبية
– تتوفر بالبلاد سعة سريرية تقدر ب 24,000 سرير ، وللأسف بعض المستشفيات لا تعمل ، وما يعمل منها لا يحقق ما يزيد عن نسبة 30% من الاشغال في احسن الاحوال ويتواجد مراكز الرعاية الصحية الاولية بعدد 1.580 مرفق مقسمة ، وهناك مراكز طبية ومراكز صحية اخرى ، وهذا لا يكفي عددا ولا وظيفة
– جميع مرافق الرعاية الصحية الأولية لا تعمل وفق وظائفها المنوطة بها ولا تتوفر بها التجهيزات اللازمة للتشخيص والعلاج ، ولا كوادر طبية وتمريضية وفنية متخصصة ، وانعكس هذا على صحة المجتمع ، وزادت الأمراض واستفحلت لغياب تام لدور خدمات الرعاية الصحية الأولية والتي تحتاج لوقفة جادة بتطوير البنية التحتية وزيادة المراكز بما يتناسب والسكان والتوسع في الخدمات الصحية التي تغطي كل ما له علاقة مباشرة وغير مباشرة بصحة وحياة الناس
– انعدام البيانات والمعلومات الصحية وغياب اليات الاحالة والتتبع والتقييم انعكس على عدم توفر اساسيات العمل الصحي والطبي مع غياب الإمكانيات اللوجستية والكوادر المهنية المؤهلة ساهم في انهيار تام للمنظومة الصحية
– بنيت جميع المستشفيات بسعات سريرية محددة لكل نوع ومحددة الوظائف والتخصصات والهياكل التنظيمية لها وكل هذا لا وجود له الان وجميعها تعمل بالمخالفة الإدارية والقانونية والعلمية وخارج التصنيف مما جعل معظمها خارج الخدمة وسيئة السمعة
– لا وجود لسجلات طبية موحدة ومتكاملة ولا نظام انتقال للبيانات والمعلومات
– العمل الطبي يخلو في معظمه من المهنية ولا توجد أدلة اكلينيكية معتمدة ولأ بروتوكولات محددة ولا معايير لكل الخدمات الصحية ولا تصنيف للأمراض لا محلي ولا دولي
– لا يوجد توصيف وظيفي دقيق ولا اليات لقياس الاداء والمؤشرات صورية ، مع غياب اللجان الحاكمة للمراجعة والتدقيق والمتابعة والتقييم
– لا توجد انظمة تدريب وتعليم طبي مستمر يصاحبه اليات المراقبة والتميز لكل اجراء مهما صغر لانها صحة وحياة الناس
– في خمسون عام قفز عدد الأطباء من عدد بسيط لا يتجاوز العشرات الى اكثر من 25.000 طبيب للأسف 85% أطباء عامون والبلاد في حاجة للأخصائيين المهرة ، وكانت البدايات موفقة وأعتمدت على إبتعاث أعداد كثيرة من الدارسين والخريجين الجدد لمعظم الجامعات العالمية المعروفة ، وفجأة لقرارت ارتجالية غير علمية ولا منطقية تم إيقاف هذا المشروع التنموي ، وعوض ببرامج محلية ضعيفة جدا ، تزامنت مع عدم وجود مستشفيات جامعية ولا تعليمية ولا وجود لأعضاء هيئات التدريس الكافية والكفؤة التي تضاهي ما كان عليه زملائنا ابناء جيلنا الأكثر حظًا ، وللاسف هذا مستمر واسواء الى يومنا هذا.
– ماحدث للأطباء حدث ماهو أسواء منه للتمريض العمود الفقري للخدمات الصحية والذين حرموا من تعليم راقي ومتقدم وتدريب سريري من اليوم الأول ومناهج متطورة وأعضاء تدريس مؤهلين لتعليم وتدريب التمريض كما هو معمول به في العالم والنتيجة تمريض اسماً وشهادات متوسطة ودورات إسعافات منزلية يفوق العدد 55.000 لا يصل عدد المؤهلات العالية والتخصصية 10% من اجمالي التمريض المغلوب على أمره .
– ينطبق هذا على الاسنان والصيدلة والفنيين الصحيين أعداد كبيرة ؤلا يستفاد منهم في النظام الصحي بالشكل المطلوب
– المشاكل الصحية المرضية الخطيرة المعروفة لا بوجد لها على آرض الواقع اي نظام او برامج لا في مرافق الرعاية الصحية الاولية ولا في القطاع الاستشفائي ومثال ذلك امراض القلب والشرايين والصدرية والمخ والاعصاب والسكري وضغط الدم والأورام والأمراض الوراثية والجينية والأمراض النفسية والعقلية ويأتي معها غياب تام لخدمات الإسعاف والطوارئ وليبيا من الدول الأعلى عالميا في ضحايا الحوادث ..!ويدلل على ذلك التجهيزات الطبية والتخصصات في مراحل النظام الصحي ( التحاليل الطبية ورسم القلب والاشعة السينية والموجات فوق الصوتية وتصوير الثدي والمقطعية والرنين المغناطيسي وإمكانيات متابعة الحمل وحديثي الولادة وغيرها من تجهيزات وعناصر مؤهلة يجب ان تتوفر بجميع مرافق الرعاية الصحية الاولية ، لمكافحة الامراض والتقليل من مخاطرها ومضاعفاتها
– الأمداد الطبي القصة الحزينة التي يدفع ثمنها المرضى حياتهم ، الأسواق تغرق بالأدوية المغشوشة والمزورة ومنظومة تجارة وتوريد الأدوية والمستلزمات الطبية يشوبها عوار خطير بداية من إدارة الصيدلة ومهامها ، وتسجيل الشركات والمصانع والاصناف واليات تحديد الطلب والاحتياجات الفعلية والمتابعة مرورا بسلاسل الإمداد آلتي أصبحت أسواء من اسواق الخضار او الخردة
– العمل العام والخاص ما يحدث في ليبيا هو تحول كامل للقوى العاملة الصحية بقضها وقضيضها الى العمل الخاص دون ضوابط مما ساهم في سرعة إنهيار النظام الصحي الليبي وزاده الجمع بينهم وتضارب المصالح الذي طال الانشطة التجارية والاقتصادية الصحية والاحتكار
– التعليم والتدريب الطبي والصحي يمر بأسواء مراحله وللاسف لا أحد يستطيع الوقوف أمام سطوة نفوذ المصالح والتجارة في المرض والصحة والتعليم الطبي .
والجمع مصاب بهوس التأمين والتوطين وتسليع صحة الليبين ..