منصة الصباح

الأضرار بين المنع والحصر

من الطبيعي أن الحياة تتعرض للعديد من التهديدات والتحديات، والكوارث الطبيعية والصحية ، والصراعات والحروب ، ومنها خارج إرادة وفعل البشر ، ومنها إما بفعل البشر بشكل كامل أو بمساعدة الإنسان ، ولكن هو الانسان الذي استطاع أن يتفادى مخاطر جمة ، وقام بتطويع العديد من التهديدات ، وتعامل مع الكوارث بشتى أنواعها حتى يخفف من أثارها ، ويجنب الكثير من أضرارها ، ومنها كان بالفطرة وحب الحياة والرغبة في الدفاع لنجدة النفس وللعيش في سلام ،

وأستطاعت البشرية تاريخيًا بفضل الحضارات المتعاقبة أن تطوع الكثير من العوامل الطبيعية ، وأن تكافح العديد من الأمراض والأوبئة ، وأن تقلل من الصراعات والحروب ، أو تقلل خسائرها البشرية والمادية ، ونحن في زمن أصبح فيه العالم قرية واحدة ، وصارت العلوم والأبحاث والمعارف والتجارب متاحة للجميع ، ولا مبرر لأي أمة أو شعب أو مجتمع أو فرد أن لا يكون ملم بالأخطار التي تهدد الصحة والحياة ،

ولهذا صار أمام الدول والشعوب إما أن تمنع الأضرار أو تخففها وتحد من أثارها ، أو تستمر في حصر الخسائر في الأرواح والممتلكات ، وتتعامل مع الكوارث بردات الأفعال وما ينتج عنها من إرتجالية وفوضى وحلول تلفيقية ، ومعالجات خاطئة تربك المشهد ، وتعظم الخسائر والأضرار ، ولا شئ يأتي فجأة والتغيرات المناخية والبيئية الكل صار يدركها ويعلم كيفية التعامل معها ، والاستعداد لها ، وارتفاع حرارة الأرض وانتشار الحرائق والجفاف والتصحر والتغييرات الجيولوجية وما يحدث عنها من زلازل وانهيارات أرضية ، وتغييرات في اليابسة والبحار والمحيطات ، وكذلك العواصف والأمطار والسيول ، كلها أوجد لها او لبعضها الانسان الحضاري المتعلم والمثقف الحلول لمنعها ، أو التخفيف من شدتها وقسوتها وآثارها على الآنسان وممتلكاته والبيئات التي يولد بها ويكبر ويعيش ويعمل فيها ،

ونجد إمكانيات الانسان أصبحت قادرة على تطوير العلوم والمعارف للتنبؤ بالمخاطر والاستعداد لها والاستجابة لكل الأحداث ، منافسة للزمن والنتائج لتحقيق التدخلات في أقصر الأوقات والحصول على أفضل النتائج ، وهذا الذي يتماشى مع طبيعة الحياة وهي التغير والتطور والتقييم والقياس والتحسين المستمر ، وتستمر هذه العجلة لتحقيق أهداف أسمى للانسانية ، وغير ذلك أدوات تدمير ذاتية كما يحدث في الكثير من المجتمعات التي تعلم الصح وكيف يكون وتأتي بالخطأ القاتل وتقوم به ، وهذا ينعكس على عجلة التنمية ، شعوب تنهض وتتقدم وأخرى تنهار وتتأخر ، وفي بلادنا التي حباها الله بالمناخ المعتدل والتغييرات الطفيفة في الطقس والفصول الاربعة هي ذاتها ، وشعب صغير يعيش في بقعة جميلة وشاسعة على كوكب الارض ، ولكن أيدينا وتفكيرنا واداؤنا وافعالنا

وارادتنا جعلت الأمراض تستفحل ، ومن بالاماكن أن تكون ليبيا قبلة للتعافي والشفاء والتداوي من الأسقام صرنا نصدر امراضنا بصحبة مرضانا الذين فشلنا في أن نقدم لهم العلاج الصحيح وبكرامة ، ونبحث على علاج مرضانا في دول لا تختلف عنا ، فقط هم بنو ونحن دمرنا وهم أحسنوا استغلال مالديهم ، ونحن أسأنا لانفسنا ولكل مالدينا ، اقفلنا المستشفيات الكثيرة والكبيرة والمتنوعة ، واغرقنا أسواقنا بالادوية المغشوشة والمزورة ، وبعنا الشهادات لابنائنا ، وفتحنا اسواقنا لكل سئ وضار بالصحة والبيئة والحياة ، وبأموالنا نشتري امراضنا وتعاستنا وشقاؤنا ، والحذاق من بني جلدتنا جرابهم مليئ بالحلول السيئة والرديئة ، ونعتونا بأن كل العيوب منا وفينا ، والأودية والانهار ومنابعها ومسالكها ومصباتها وسدودها معلومة للقاصي والداني وللمسؤول والمواطن ، ولها قوانينها وبالتأكيد نحن من خالفها وليس الاودية ، ونفس الشئ يرتكب بفضاعة وتعمد صارخ في المخططات السكنية والخدمات والطرق والكباري والأنفاق ، وكأننا ننتقم من أنفسنا في المدة التي نعيشها ويمتد الانتقام للأجيال من بعدنا ، ونجد أنفسنا في كل مصيبة بارعين في شئ نتقنه وهو حصر الخسائر والأضرار وحساب التعويضات على الورق فقط ، وكأن في النفس شئ ما يفرحنا بالمؤشرات السيئة والسلبية ،

ليعلم الجميع اننا مسؤولون أمام أنفسنا وأهلنا وشعبنا وبلادنا عن كل مريض اصيب بمرض ما كان يصاب به أو لم يعالج منه بالطرق الصحيحة والسريعة كما يعالج ابناء الشعوب المتقدمة ، ونحن مسؤولون عن كل ما يحدث من كوارث طبيعية واثارها ونحن مسؤولين عن كل مايحدث بيننا من صراعات وحروب تدمرنا وتخدم اعداؤنا ، ولا مناص لنا إلا ان نتحول لأمة تمنع عنها التهديدات والكوارث والأزمات ، ونقلل الخسائر والاضرار ، وننهض كباقي الأمم والشعوب ونتوجه للتنمية والبناء في الانسان أولًا ، ونرفع من شأن التعليم والصحة والعدالة والحماية الاجتماعية ، ونقف ضد تسليع تعليم ابنائنا وصحة شعبنا
لنرتقي وتنهض بلادنا ونتقدم صفوف الشعوب والأمم والدول المتحضرة ..

بلادنا تتميز بالكثير ، وشعبنا يمتاز عن غيره …

د.علي المبروك أبوقرين

شاهد أيضاً

العثور على جثث وافدين في منزل بأجدابيا

الصباح أعلن جهاز المباحث الجنائية أجدابيا، العثور على جثث داخل منزل بالمدينة. وجاء ذلك، بعدما …