منصة الصباح
د.علي المبروك أبوقرين

ليبيا البلد الشاسع والقلب الواحد

د.علي المبروك أبوقرين

ليبيا، بلادنا العزيزة الغالية نعيشها وتعيش فينا ، بلادٌ شاسعة تمتدّ على صفحة الصحراء والبحر ، تتناثر مدنها كنجوم متلألأة ، تفصل بينها المسافات الطويلة ، وتربطها خيوط الدم والجوار والمصاهرة والزمالة ، هي أرضٌ طاهرة تلتقي فيها القبائل والعشائر عند نبعٍ واحد من الانتماء ، مهما عصفت بها رياح الصراعات والفتن والحروب ، ومهما تناثرت الجراح على جسدها الممتد ، حتى وإن كان بعضها غائر ، ففي هذه الرقعة الواسعة ، تتجاور ذاكرة التاريخ مع شغف المستقبل .

فبين الواحات والجبال والسواحل ، يقف الإنسان الليبي كجوهر كل مشروع للبناء والتعمير والتطوير ، وكهدفٍ لكل نهضةٍ صحية وتعليمية واقتصادية ، فالمستشفيات والمدارس والجامعات والمراكز البحثية والبيئية ليست سوى أوعية لاحتضان إنسانٍ معافى الجسد ، متوازن العقل ، منفتح الروح ، قادر على العطاء.

والطبيب حين يلامس نبض مريضه ، يرى في كل قلبٍ ليبيا بأكملها ، وكل طفل يولد في بيت بسيط أو مستشفى جامعي هو مشروع حياة يجب أن تُصان كرامته ويُؤمَّن حقه في العلاج ، والتعليم والسكن اللائق ، والغذاء الصحي المتكامل والبيئة المعيشية الراقية ، والإنسان هو الأصل ، والبناء الصحي والتعليمي والبيئي ليس سوى امتدادٍ لحمايته وكرامته وكبريائه ، وكما تحتاج الجِراح إلى التعقيم والمداواة ، تحتاج الأرواح إلى التسامح لتُشفى من آثار النزاعات والحروب والأحقاد ، والتسامح ليس ضعفاً ، بل علاجٌ روحي يوقف نزيف الكراهية ويعيد للقلوب قدرتها على النبض المشترك ، والانتماء الصادق لا يُقاس برفع الشعارات ، بل بالقدرة على العيش المشترك وعلى التكافل والتعاضد والإيثار ، حيث يمد القوي يده للضعيف ، ويتقاسم الغني مع الفقير وتضيق الفجوة بينهم ، ويتحول الجار إلى أخ وأهل كما كنا ، وإن إعادة إعمار المدن المهدّمة ليست مجرد ترميم حجارة ، بل عملية علاج جماعي للنسيج الاجتماعي ، وترميم للذاكرة واستدعاء الموروث ، والخدمات الصحية المتقدمة تحفظ حياة كل إنسان أينما كان ، في الصحراء أو على الساحل أو على الجبال وفي الوديان ، والتعليم الرفيع الرصين يفتح نوافذ المعرفة أمام أبناء القبائل وفي المدن والقرى والمناطق النائية ، فيتعلمون ليبدعوا وينتجوا ويتفقوا ويتكاملوا ، والحماية الاجتماعية الشاملة تصون الشيخ والطفل والمرأة ، وتضمن كرامة العمل والعيش الكريم ، والتنمية الإنتاجية والبيئية تحفظ الأرض والماء والهواء ، وتحوّل ثروات البلاد إلى مشاريع مستدامة تعود بالنفع على الجميع ، والطب قائم على فلسفة إنسانية ترى المجتمع كجسدٍ واحد ، وإن مرضُ منطقةٍ نائية هو وجعٌ في قلب العاصمة ، ونقص الخدمات الصحية في مدينة صغيرة هو حُمّى تصيب الوطن كله ، وشفاءُ طفلٍ في أقصى الصحراء هو ولادة أملٍ جديد للجميع ، وليبيا تستطيع أن تنهض حين يوقن أبناؤها أن سلامتهم وسلامتها وجهان لعملة واحدة ، ومجتمعٌ متمسك بدينه وعاداته وتقاليده ويتبنى ثقافة السلام والرحمة والحكمة ، ويحارب العنف والسلوكيات المنحرفة ، ويحتضن الفنون والآداب والعلوم والمعرفة . ومجتمعٌ يرفض الفتن، ويُعلي صوت العقل والحكمة ، ويحوّل اختلاف القبائل والمناطق إلى تنوّعٍ يجمع ولا يفرّق ، إن إعادة بناء ليبيا ليست مهمة مهندسي الطرق ، أو وزارات التخطيط والإسكان والتعمير وحدهم ، بل هي عملية علاج شاملة يقودها وعي الناس ، وتغذيها ثقافة التسامح ، ويثبتها العلم ، ويباركها الطب .

فإذا تعافى الإنسان من الخوف والفتنة ، واستعاد جسده صحته ، واستعاد عقله وعيه ، تنهض بلادنا الغالية ليبيا كلها وتنتصر ، لنجعلها أرضٌ عامرة تسابق الزمن في الخدمات الصحية والتعليمية والبيئية ، والمشاريع الإنتاجية التنموية ، ومجتمعٌ يُداوي جراحه بالحكمة والمحبة والعطاء ، وإنسانٌ يحيا بكرامة يرفع راية العلم والمعرفة والثقافة والفنون والآداب والابداع ، ولنقول للعالم هنا قلبٌ واسع كصحرائنا نابض ، وكبحرنا لا يموت .

وبالارادة والإصرار ، وبالعلم والحكمة ، وبالتسامح والشفافية ، وبعون الله تنهض البلاد وتزدهر حياة العباد .

شاهد أيضاً

مشاورات بمجلس الأمن لمناقشة تقرير الخبراء بشأن ليبيا

مشاورات بمجلس الأمن لمناقشة تقرير الخبراء بشأن ليبيا

عقدت لجنة مجلس الأمن المعنية بليبيا مشاورات غير رسمية لمناقشة التقرير المؤقت لفريق الخبراء التابع …