باختصار
د. على عاشور
كثيراً ما نسمع في الوسط الاجتماعي الليبي عبارات: (زوجتي لا تعمل … زوجتي قاعدة في البيت… زوجتي ما تخدمش)، عبارات تبدو عادية للسامع، لكنها تحمل في طياتها إجحافا كبيراً بحق آلاف النساء اللواتي يقمن بأثقل الأعباء يومياً، من دون أن يعترف بجهودهن أو يقدر عطاؤهن.
هل يعقل أن نصف من تدير شؤون البيت، وتربي الأجيال، وتطبخ، وتغسل، وتتابع تفاصيل حياة الزوج والأبناء، بأنها لا تعمل لمجرد أنها لا تتلقى رسالة (راتبك لحظى) نهاية كل شهر؟
أليس من الظلم أن نحصر العمل في المستندات الرسمية والرواتب الشهرية، ونتجاهل أن إدارة البيت في مجتمعنا الليبي مسؤولية جسيمة تحتاج إلى جهد بدني ونفسي وتنظيمي كبير؟
الحقيقة أن المرأة التي نسميها زورا (لا تعمل) هي في الواقع سيدة بيت، ومديرة عامة لمنزل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهي من تضبط إيقاع الأسرة، وتزرع القيم في الأبناء، وتتحمل ضغوط الحياة اليومية دون إجازات أو ساعات عمل محددة، إذ أنها تعمل سبعة أيام في الأسبوع، أربعة وعشرين ساعة في اليوم، بلا مقابل مادي، ولا حتى تقدير اجتماعي كاف.
الثقافة التي تلصق بالمرأة صفة (البطالة) لمجرد بقائها تدير شؤون منزلها وتربي أولادها ليست سوى ثقافة بالية، تعكس فهماً قاصراً لمعنى العمل، فالعمل لا يعني فقط أن تخرج المرأة صباحاً إلى مؤسسة حكومية أو شركة خاصة، بل يعني أن تبذل جهداً منتجاً مادياً أو معنوياً، يعود بالنفع على أسرتها أو مجتمعها، وهذا بالضبط ما تقوم به سيدة البيت.
وإذا ما نظرنا إلى المجتمعات المتقدمة، سنكتشف أنهم يطلقون لقب ربة منزل على النساء اللواتي يكرسن جهودهن للعائلة بكل احترام واعتراف بدورهن الاجتماعي المهم، ولا يرون في هذا العمل انتقاصاً من دورهن الحيوي، بل على العكس تماماً، فالمجتمع يعطي لربة المنزل دوراً اجتماعياً محترماً، ويقدم لأجلها برامج دعم ومزايا اجتماعية، بيد أنه في مجتمعاتنا العربية عامة والليبي خاصة، ما زلنا نختزل الجهد في الراتب، والإنتاجية والعطاء في الوظيفة الرسمية.
كما يجب أن نعى أن الاعتراف بهذا الجهد ليس منة، بل هو واجب أخلاقي وضرورة اجتماعية، فالمجتمع الذي لا يقدر دور المرأة في بيتها، لن ينصفها خارج البيت، ولن يرتقي وعيه بأهمية العمل بمفهومه الأوسع، بل لن أبالغ لو قلت إن ما يتعرض له مجتمعنا من ظواهر اجتماعية وأخلاقية على مستوي الأطفال والمراهقين هو تلك النظرة الدونية التي يرى بها المجتمع للمرأة الليبية غير المسجلة في سجلات وزارة المالية.
وإذا كان المجتمع قد قصر في تقدير هذا الدور، فإن جانبا من المسؤولية يقع أيضا على بعض النساء اللواتي دفعتهن ضغوط الحياة أو إغراءات العمل الوظيفي إلى الانشغال عن أدوارهن الأسرية الجوهرية، فتراجع حضورهن في تربية الأبناء ورعاية الأسرة، إلا قلة استطعن التوفيق بين الدورين بحكمة
لذلك، فإن إعادة صياغة خطابنا حول دور المرأة في البيت يمثل خطوة أساسية نحو مجتمع يقدر كل جهد إنساني، سواء أكان مرتبطا براتب رسمي، أو محاطاً بالمحبة والتضحيات والصبر اللامحدود.
باختصار، آن الأوان لنغير قاموسنا الاجتماعي، ونتوقف عن قول: (زوجتي لا تعمل)، ونستبدله بفخر: (زوجتي ربة بيت) أو (زوجتي سيدة بيت)، فهذه هي الحقيقة التي يجب أن يعرفها ويفهمها الجميع.
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية