مفتاح قناو
كانت السينما من أهم وسائل الترفيه في ليبيا مند استقلال البلاد عام 1951م، ويرجع الفضل في تأسيس أغلب السينمات في ليبيا إلى زمن الاستعمار الايطالي، الذي أقام العشرات من دور العرض السينمائي في أغلب المدن الليبية، ثم جاءت مرحلة الإدارة الليبية لدور العرض في زمن المملكة الليبية وكان تردد رواد السينما ــ وخاصة الطلاب ــ مند النصف الثاني من ستينيات القرن العشرين يأخذ شكلا دوريا وبشكل خاص أيام الخميس والجمعة، أو في مناسبات الأعياد والعطلات الدينية.
وكانت لكل مرحلة عمرية من المترددين على السينما أفلامها المميزة، ودور العرض التي تشتهر بعرض أنواع محددة منها، فعلى سبيل المثال اشتهرت سينما الرشيد بميدان 9 أغسطس والبوليتياما في سوق الترك بعرض بالأفلام المصرية، يمكنك أن تشاهد فيلم عنتر يغزو الصحراء، أو الصراع الدائم بين فريد شوقي ومحمود المليجي في أفلام المطاردات البوليسية، بينما تشتهر سينما المتربول بأفلام رعاة البقر، وكان يحب التردد عليها مواطنو دول أوروبا الشرقية، الذين ازداد تواجدهم كعاملين بالشركات الشرقية مع بداية السبعينيات، ذلك أن هذه النوعية من الأفلام كانت لا تعرض في دول المنظومة الاشتراكية، وكانوا هم متشوقين لرؤيتها.
سينما الريكس كانت مختصة بأفلام السينما الهندية، وكانت سينما الودان تقدم أفضل الأفلام الأمريكية المعروضة ذلك الوقت.
المرحلة التالية كانت بدايتها بتأسيس الشركة العامة للخيالة، وتأميم كل دور العرض السينمائي الخاصة ونقل ملكيتها إلى هذه الشركة، التي للأسف لم تفلح في الصمود طويلا، ولم تنجح في تحقيق أغراضها، لا من حيث إنتاج أفلام سينمائية ليبية، ولا من حسن إدارتها لدور العرض السينمائي التي ألت إليها، تم تآكلت شركة الخيالة بمرور الزمن وانتهت، كما انتهت كل شركات القطاع العام ليصدر قرار بحل الشركة ويتوقف بعدها العمل نهائيا بدور العرض السينمائي، وتصبح أماكن مهجورة مقفلة، لكن لم يستطع الاعتداء عليها احد، ثم قام بعض الملاك السابقين برفع قضايا لاسترداد ممتلكاتهم المؤممة ونجح ورثة خليل الجاعوني في استرداد دور العرض التي كان يمتلكها مورثهم، وقاموا ببيعها، وقام المشترون الجدد بهدم هذه السينمات، ومنها سينما الجمهورية بباب بن غشير و سينما الرشيد، وسينما الرويال وسط المدينة.
المرحلة الأخيرة كانت بعد فبراير 2011م حيث عمت الفوضى نتيجة ضعف أجهزة الدولة الأمنية، فقام عديد الأشخاص بالاستيلاء على دور السينما المتبقية وتحويل واجهاتها إلى دكاكين لبيع السجائر والملابس والخرداوات، ثم طالت المدة حيث يغيب حاليا عن الأذهان أن خلف هذه الدكاكين توجد قاعات عرض كبيرة، الدولة الليبية والناس في حاجة إليها، فمسرح مثل مسرح الحمراء في شارع الوادي، قادر على استيعاب عدد كبير من العروض المسرحية والفعاليات الثقافية مثلما كان يحدث في الستينيات والسبعينيات حيث عرضت عليه أهم المسرحيات الليبية.
السؤال هنا هو، كيف يمكن للدولة الليبية ــ ممثلة حاليا في الهيئة العامة للفنون ــ أن تسكت على اغتصاب هذه المسارح والاستيلاء عليها من طرف أيدي غاصبة تحتل مرافق الدولة دون سند قانوني، وتستخدمها لتحقيق أرباح ومكاسب مالية طوال سنوات، والجميع يتفرج دون أن يحرك ساكنا ؟.
لكل ما تقدم فإننا ندعو جميع أجهزة الدولة الإدارية والرقابية والقضائية، ومكتب النائب العام إلى سرعة التحرك من أجل إنقاذ ما تبقى من مسارح وقاعات عرض سينمائي في طرابلس وغيرها من المدن، باستردادها وإعادتها للجهات المشرفة عليها.