دعوة مُلحة لتقويم وتطوير آلية التعاقد الإداري في ليبيا (1 /2 )
2020-01-02
الرئيسية, رأي
572 زيارة
بقلم/ هيثم الدغري
تُعتبر التعاقدات الإدارية الركيزة الأساسية في مختلف المشاريع حيث يساعد وجود آلية تعاقدية مبنية على أُسس سليمة في انجاز المشاريع بالصورة المطلوبة، فالهدف الأساسي للتعاقدات الإدارية هو وضع القواعد التعاقدية وتقويم الأعمال المتعلقة بها وفقاً لهذه القواعد، الأمر الذي من شأنه العمل على انجاز المشاريع ضمن المُدة المُحددة والكُلفة المُقدرة والجودة المطلوبة والابتعاد قدر الإمكان عن الخلافات بين أطراف التعاقد، وتخضع العلاقات التعاقدية بين أطراف التعاقد إلى التشريعات النافذة والتي تُنظم الإجراءات وتحفظ حقوق الأطراف بعدالة، وإن كان منطق نظرية العقود الإدارية وفقاً لرأي فقهاء القانون الإداري يقضى بضرورة التسليم بمركز مُتميز لجهة الإدارة المُتعاقدة في مواجهة المُتعاقد معها تحقيقاً للمصلحة العامة، فأنه يبقى من الضروري الاعتراف للمُتعاقد بالحقوق والميزات التي تُقابل هذا المركز المُتميز لجهة الإدارة ومراعاة جميع الاعتبارات المؤثرة في تنفيذ المشاريع ومتطلباتها ومعرفة أوجه القصور والخلل الذي يحدث وأسبابه ومن ثم تحديد العلاج المُناسب لذلك.. وتُحدد المرجعية القانونية للعلاقة التعاقدية آلية التعاقد الإداري وتسلسله الإجرائي والتزامات أطراف التعاقد والشروط التي يجب إتباعها عند إبرام اتفاقيات تعاقُدية، ويقوم المشرع بتحديد آلية التعاقد الإداري وفق تشريعات تُنظم العملية التعاقدية تكون واجبة الإتباع ومُلزمة لكل أطرافها بشكل من المفترض أن يضمن التوصل إلى القرار المناسب بشأن اختيار نوع التعاقد وأسلوب التنفيذ والمُتعاقد الكُفء بصورة تضمن حقوق كل الأطراف وتُمكن من انجاز المشروع وفق المطلوب.
وتُنظم آلية التعاقد الإداري حالياً في الدولة الليبية وفقا لأحكام لائحة العقود الإدارية التي فوض المُشرع الليبي اللجنة الشعبية العامة سابقاً بإصدارها، حيث صدرت اللائحة بقرار اللجنة الشعبية العامة سابقاً رقم (563) لسنة2007م بإصدار لائحة العقود الإدارية، وقد شهدت لائحة العقود الإدارية جملة من التعديلات التي صدرت بقرارات من اللجنة الشعبية العامة سابقاً، منها القرار رقم (926) لسنة 2007م بتعديل حكم بلائحة العقود الإدارية، والقرار رقم (588) لسنة 2010م بإضافة حكم للائحة العقود الإدارية، وتجدر الإشارة إلى أن وزارة العدل قامت سنة 2015م بطباعة عدد خاص يتضمن قرار إصدار اللائحة مُرفق باللائحة، كما تضمن العدد الخاص قرار التعديل رقم (926) لسنة 2007م ، ولم يتضمن العدد الخاص قرار التعديل رقم (588) لسنة 2010م.
وينص قرار إصدار اللائحة في مادته رقم (3) على استمرار العمل بنماذج العقود الإدارية المُعتمدة بقرارات اللجنة الشعبية العامة سابقاً والمقصود بها القرارين رقم (902) لسنة 1989م بشأن اعتماد نموذج بعض أنواع العقود الإدارية، والقرار رقم (104) لسنة 1983م بشأن اعتماد نموذج عقد مقاولات الأشغال عامة والتي لم يصدر ما يُعدلها أو يُلغيها حتى تاريخ اليوم، وتجدر الإشارة إلى وجود أكثر من مادة في نماذج العقود المُشار إليها مُخالفة ومُتعارضة مع أحكام اللائحة ومع ذلك هذه النماذج هي التي تُستخدم حتى الآن فى تعاقدات الدولة الليبية مع أدوات التنفيذ، وذلك في مخالفة لما تنص المادة رقم (3) من قرار إصدار اللائحة، كما أنه من المُهم الإشارة إلى ورود مواد في بعض العقود الإدارية مخالفة لأحكام اللائحة ولنماذج العقود الإدارية المُعتمدة أيضا، ويمكن للجهات ذات العلاقة كهيئة الرقابة الإدارية و ديوان المحاسبة و إدارة المتابعة بمجلس الوزراء التحقق من صحة ذلك.. كما تخضع آلية التعاقد الإداري لأحكام بعض المواد من القانون رقم (19) لسنة 2013م في شان إعادة تنظيم ديوان المحاسبة الصادر عن المؤتمر الوطني العام، وتعديلاته ولائحته التنفيذية، إضافة إلى خضوع التعاقدات الإدارية إلى جملة من التشريعات الأخرى كالقانون المالي والتجاري والضرائب والدخل والتخطيط وغيرها..الجدير بالذكر أنه ورغم التنوع الملحوظ في طبيعة وحجم المشاريع في ليبيا ورصد الميزانيات الضخمة لانجازها إلا أن هناك مشاكل وخلل في تنفيذ واستكمال العديد منهاإذ لم تكن جميعها، الأمر الذي يمكن لمسه بالملاحظة الشخصية، ومن خلال الإطلاع على العديد من التقارير الرسمية كتقارير ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية، وعلى بعض المذكرات المُقدمة من بعض الجهات الحكومية إلى مجلس الوزراء بمختلف مُسمياته، مما يؤكد وجود بعض القصور المرتبط بآلية التعاقد الحالية، الأمر الذي سينعكس سلباً في حال استمراره على الدولة ويتسبب في مزيد من هدر المال العام نتيجة عدم اكتمال المشروعات أو استكمالها بغير الطريقة الصحيحة ويترك الباب مفتوحاً لاستمرار عمليات الفساد الإداري والمالي، مما يستوجب تقويم وتطوير الأساليب المُعتمدة في إجراءات التعاقدات الإدارية.
كما أن هناك أسباباً مُوجبة ودافعة للمُضي في تبنّي عملية تقويم وتطوير آلية التعاقد الإداري في ليبيا، ومن هذه الأسباب تغير الوضع السياسي في الدولة، حيث شهدت الدولة تغير في الوضع السياسي سنة 2011م كان له اثر في مختلف المجالات ومن ضمنها التعاقدات الإدارية، كما أنه بالإضافة إلى تغير نظام الحكم وشكل الإدارة في ليبيا شهدت السنوات الأخيرة انقساماً حادً وانعدام للاستقرار وتدني للموارد وتشتت للمؤسسات وصل إلى حد انقسام بعض الجهات والوحدات الإدارية إلى اثنين أو أكثر، مما تسبب في توقف العمل في الخطة التنموية 2008-2012 الذي سبق وان تعاقدات الدولة الليبية على تنفيذ مشاريعها والتي يزيد عدد عقودها عن 22000 عقد بقيمة تصل إلى ما يقارب 142 مليار، واوجد ذلك حالة قد تكون فريدة من نوعها بين طرفي التعاقد – الدولة وأدوات التنفيذ المُتعاقدة معها- وأفرز الوضع القائم مُصطلحات جديدة مثل «تفعيل العقد» وغيرها، مما يستوجب إيجاد تكييفات تشريعية مُوحدة للتعامل معها، فعلى سبيل المثال من المؤكد أنه قبل فبراير 2011م أو يوليو 2014م (أحداث المطار).
هناك أكثر من جهة حكومية ولنسميها (س) أبرمت عقداً قيمته قد تكون بملايين الدنانير مع أداوت تنفيذ سواء وطنية أو أجنبية لتنفيذ مشروع في موقعين أحدهما في الجهة الغربية والآخر في الجهة الشرقية ولنُسمي إحدى هذه أدوات التنفيذ (ص)، لنرى اليوم أن الطرف الثاني (ص) مازال ذات الطرف ومن المُؤكد أنه زاد قوة وحنكة وخبرة بل ومقدرة مالية وفنية خاصة اذا ما تحصل على دفعة مُقدمة قد تصل إلى 25% من عقد قد تكون قيمته بعشرات الملايين ولم يقم بتنفيذ حتى 1% من أعماله ويكون استفاد من هذا المبلغ وفوائده طوال هذه المدة هذا اذ لم تنته صلاحية خطابات الضمان لتلك الدُفعات وبالتالي يكون احتمالية خسارة الدولة للمبلغ قائمة.