أخبرني صديق قام مؤخرا بطباعة ديوانه الشعري الأول على نفقته في مطبعة خاصة ، ان تكاليف النسخة الواحدة من الديوان قد بلغت 25 دينار ليبي فقط لا غير..
الكتاب كما رأيته صغير الحجم والورق ليس على جودة عالية والطباعة خالية من المحسنات والترف تقريبا..
ومع أن عدد النسخ التي طبعها صديقي ووزعها على معارفه محدودة الا ان كلفتها ارهقت ميزانيته ولاشك فهو في النهاية موظف كحال معظمنا يصل راتبه إلى الألف دينار بالكاد ..
وسيسأل سائل أين وزارة الثقافة التي تتلقى قسطا من ميزانية الدولة لتقوم بهذا الدور. ؟..اي طباعة الكتب ونشرها ..والحقيقة انني لا أملك جوابا وكل ما اعرفه من خلال مايقوله المتعاملون معها انها وزارة بلا استراتيجية واضحة بهذا الصدد..إذ يمكن لمخطوط قيم لكاتب كبير مثل الراحل كامل عراب ان ينتظر سنوات في درج الموظف المسؤول ثم يطبع أخيرا دون تدقيق ومراجعه ليخرج إلى النور في شكل بائس ..وبالمقابل يمكن لخربشات مراهق أو مراهقة ان تطبع أيضأ وبسرعة فائقة دون أن تخضع لتقييم أو إجازة من لجنة مختصة بتقييم الجودة .. الأمر كما يبدو متروك للحظ أو للواسطة الله أعلم..
اعتقد ان نشر الثقافة وضمنها طباعة الكتاب وترويجه وتوزيعه عمل الدولة بالأساس وهو يشبه / ولا يقل اهمية عن بناء الاجهزة الامنية والشرطية و الجيش ..اذ لا احد ينتظر من هذه المؤسسات ربحا تجاريا مباشرا لكن مع ذلك لا غنى عنها لبقاء الدولة واستقرار المجتمع ونجاح التنمية ..ولذلك تقوم بعض البلاد حتى الرأسمالية منها بدعم الكتاب عن طريق شرائه وإعادة بيعه بأسعار مناسبة للقاريء محدود الدخل او اطلاق الطبعات الشعبية غير المكلفة التي تتيح للجميع ممارسة حقهم الطبيعي في القراءة والمعرفة والثقافة ..
المشكلة هنا أن السياسي ورجل الحكم في بلادنا وما جاورها ، ما زال ينظر إلى الكتاب والثقافة والفنون والآداب كترف يمكن الاستغناء عنه لحساب قطع الغيار ومطاحن الحبوب والذخيرة وسيارات الخردة الأوروبية ..لأنها في حسبانه تأتي في مرتبة متأخرة من ضرورات المجتمع والدولة ..
الثقافة والفنون والآداب والكتاب على وجه الخصوص وسائل لا غنى عنها في ترقية العقل والنفس وصياغة السلوك المدني المتحضر ورفع مستوى الوعي وبالتالي خلق المواطن الفاعل الإيجابي الذي يشارك في المسؤولية تجاه وطنه وتجاه المواطنين الآخرين فلا يستسهل سرقة الكهرباء أو إتلاف منظومة النهر بوصلات غير شرعية أو وضع أسعار السلع على مزاجه أو حمل السلاح خارج سيطرة الدولة ..
جمال الزائدي