منصة الصباح
د.علي المبروك أبوقرين

درنة الزاهرة في ذكراها الأليمة ودروسها المستفادة

ذكرى كارثة سيول درنة هي ذكرى مؤلمة جدا ولا ولن تنسى من ذاكرة أهل درنة والجبل الأخضر والليبيون أجمع , وتركت وراءها دروسًا عميقة يجب أن نتعلمها كأفراد ومجتمع ودولة .

إن هذه الكارثة على الرغم من فظاعتها ، إلا أنها بمثابة جرس إنذار قوي لإعادة تقييم كيفية التعامل مع الطبيعة والتخطيط للمستقبل .

– والدروس المستفادة من مثل هذه الكوارث الطبيعية منها على مستوى الدولة والتخطيط الوطني ، وأهمية وجود نظام متكامل للإنذار المبكر للكوارث ( مثل الأعاصير والفيضانات والسيول والزلازل ) ، ويجب أن يكون دقيقًا وسريعًا وقادرًا على إيصال التحذيرات إلى كل فرد في كل المناطق المعرضة للخطر عبر جميع القنوات ، والاذاعات المسموعة والمرئية ، والرسائل النصية ، ومكبرات الصوت وصفرات الانذار ) ، والتخطيط العمراني المستدام الذي يراعي خطط البناء والتوسع العمراني ، ومنع البناء في الأودية ومجاري الأنهار ، أو على سفوح التلال غير المستقرة ، وتطبيق قوانين البناء بشكل صارم .

وصيانة البنية التحتية التي يجب أن تكون في الأساس قوية وقادرة على تحمل الكوارث ، وأنظمة تصريف مياه فعالة ويحافظ عليها من التلوث والانسداد ، وجسور وسدود مصممة لتحمل كميات هائلة من المياه ، وطرق بديلة للإخلاء والعمليات الإغاثية في حال تعطل الطرق الرئيسية ، وإدارة الأزمات والكوارث التي تتطلب وجود هيئة قوية ومستعدة على مدار الساعة بكل الإمكانيات اللازمة ، وتمتلك خططًا واضحة ، وتدريبًا مستمرًا للفرق ، ومخزونًا استراتيجيًا من الإمدادات ( مستلزمات طبية ومستشفيات ميدانية مجهزة ، وغذاء ومياه صالحة للشرب ومأوى لائق وصحي وآمن ) ، وآليات تنسيق سريعة بين الجهات المختلفة ( الدفاع المدني والصحة والأمن وغيرهم ) ..

– ⁠والدروس على مستوى المجتمع المحلي ومنها ضرورة المعرفة والالمام بالتاريخ المحكي من كبار السن وذاكرتهم عن تاريخ المنطقة مع الكوارث ، واوديتها وتاريخ وطبيعة السيول التي تعرضت لها قديما ، مع التوعية المستمرة: للافراد والمجتمع خاصة في المناطق المعرضة للخطر ، بكيفية التصرف قبل وأثناء وبعد الكوارث ، وتجربة التكافل الاجتماعي العظيمة التي عبرت عن معدن الشعب الليبي وتكافله الذي تنادى من كل ربوع الوطن ، والذي يتطلب تعزيز هذه الروح العظيمة ، وتشجيع العمل التطوعي ..

– ⁠والدروس على مستوى الفرد والأسرة هي الاستعداد الشخصي وكل أسرة يجب أن يكون لديها خطة طوارئ بسيطة تشمل الاتفاق على نقطة تجمع آمنة في حالة التفرق ، وتجهيز حقيبة طوارئ تحتوي على المستلزمات الأساسية مثل الماء والغذاء الغير قابل للتلف ، والأدوية الأساسية وخصوصا أدوية المرضى ، والوثائق المهمة والنقود توضع في كيس مقاوم للمياه ، ومصباح إنارة ، وبطاريات شحن صغيرة ) ، ومعرفة مسارات الإخلاء من منطقة السكن ، وضرورة احترام التحذيرات من تغييرات الطقس وعدم الاستهانة بالإنذارات وتنفيذ تعليمات الاخلاء ، والإبتعاد عن مجرى الوادي ..

– ⁠ومن الدروس البيئية هي أن التغير المناخي حقيقة وأصبحت الكوارث الطبيعية الخطيرة مثل الأمطار الغزيرة والعواصف والاعاصير أكثر شدة وتكراراً بسبب التغيرات المناخية، وهذا يتطلب سياسات جادة للتكيف مع هذه التغيرات والتخفيف من آثارها على المستوى الوطني ، وضرورة الحفاظ على النظام البيئي والاهتمام بالغطاء النباتي ومكافحة التصحر ، لحماية المدن والمناطق السكنية . .

إن كارثة دانيال درنة المروعة حدثت لنتيجة تراكمية لسلسلة من الإخفاقات في التخطيط والاستعداد والاستثمار في البنية التحتية ، والتخطيط العمراني ، والإنذار المبكر المفقود ، والحد من مخاطر الكوارث وتجنبها هو استثمار في صحة وحياة الناس وأمنهم ،

رحم الله من فقدناهم من أهلنا وأحبابنا ضحايا كارثة درنة ، وأن تكون هذه المأساة درسًا لا يُنسى لبناء مستقبل أكثر أمانًا لنا ولأجيالنا القادمة في كل ربوع الوطن ، وأن نكون دومآ على درجة عالية من الوعي والاستعداد والاستجابة والمرونة في التعامل مع الطبيعة والبيئة والطقس والمناخ والكوارث الطبيعية وأثارها ..

تحية لأهلنا بدرنة الزاهرة أرض الزهر والحنة ، أهل الحضارة والمعرفة والثقافة والعراقة ، وإلى كل أهلنا الكرام أهل الحكمة والكرم والشهامة بربوع الجبل الأخضر الأشم أرض الخيرات .

وتحية لكل الأيادي المخلصة التي تبني وتعمر وتطور وتزرع الأمل في درنة والمناطق المتضررة ..

حفظ الله بلادنا من كل مكروه

د.علي المبروك أبوقرين

شاهد أيضاً

زيارة رئيس هيئة الرقابة الإدارية لمستشفى طرابلس المركزي تثير موجة من الاستنكار

زيارة رئيس هيئة الرقابة الإدارية لمستشفى طرابلس المركزي تثير موجة من الاستنكار

أثارت زيارة رئيس هيئة الرقابة الإدارية عبد الله قادربوه إلى مستشفى طرابلس المركزي، موجة من …