درناشيما
عبدالرزاق الداهش
لم يسبق لي أن ذهبت إلى درنة في أي مرة، ولكن درنة هي من جاءتني هذه المرة.
ولم يسبق لي أن نزلت عند حوافها حتى ترانزيت، ولكن وجدتها تنصب خيمتها داخل صمامات قلبي.
فكم من صديق كان قد دعاني لزيارة المدينة التي تتنفس، وتتغذى، وتتعشى، شعرًا، وأدبًا، وفنًا، وازهارًا.
قالوا: لو هبطت باقة ورود من السماء على درنة فلابد ان أن تسقط زهرة على رأس شاعر، أو قاص، أو فنان.
كانت المرة الأولى التي يتردد فيها أسم درنة جميلًا أمامي كهديل حمامة بصوت الفنان سالم بن زبيه،،
كنت صغيرا، وكان الفنان الدرناوي يغني: “درنة والمتقار العالي.. وين خطر زولك يا غالي”.
عرفت بعد ذلك درنة، شلالًا من الانتاج الأدبي، والثقافي، والفني. ومدينة رائعة تنتسب إلى الحضارة، وكانت درنة لا تشبه إلا درنة.
كنت اتطلع لأن اذهب إليها اشم عطرها، ورائحة الصحابة على جدرانها، واتنفس هواء الحالمين فيها،ولكن بقت الزيارة مشروعًا مؤجلًا.
اليوم درنة تجيء إليّ بأسرها، دفقا هائلا، ودفعة واحدة وتهاجم بعنف انتظاراتي القديمة.
دخلت عليّ درنة محملة بكل احزان العالم، ودموع العالم، وأوجاع العالم، وبكل ظلام الكون.
درنة هيروشيمتنا التي فيقتنا من سباتنا السياسي، من بطاطين اوهامنا القبلية، ومن عنترياتنا المزمنة ودفعت كل فواتير الحقيقة من لحمها الحي نيابة عنّا جميعا.
كم كبيرة انت يا درنة، يا خيمة عزاؤنا الاخير، وبيت وحدتنا المعدلة على توقيتك الصعب.