منصة الصباح

دانيال وكارثة درنة

د ابوالقاسم صميده

تمر علينا هذه الأيام ذكرى كارثة مدينة درنة ، تلك المدينة الليبية الوديعة والجميلة والتى داهمتها مياه السيول نتيجة لإعصار ” دانيال ” والذى نتج عنه هطول كميات غزيرة من الامطار تسببت فى ارتفاع مستوى المياه خلف احد السدود المقامة بالقرب من مدينة درنة ، وما هى الا ساعات قليلة حتى تحطم السد واجتاحت المياه كل ما صادفته فى جريانها فجرفت المبانى والبيوت والعمارات والسيارات وقد شاهد العالم عبر وسائل التواصل ومن خلال بعض القنوات شاهدوا المياه وهى تجرف الناس والسيارات المملوءة بالعائلات والمياه تجرفها نحو قاع البحر فى مشهد مأساوى يدمى القلب ويكشف عن الاستهتار وقلة الاهتمام بحياة الانسان ،فلقد تم الاعلان عن مسار الاعصار دانيال منذ ان بدأ فى التكون بالقرب من الجزر اليونانية وتابعته الاخبار وحددت بعض الجهات المهتمة بالطقس مسار الاعصار ونبهت الى خطورته وانه يتجه نحو الشرق الليبي ، ولكن دائما الاهمال يكلف الكثير فقد تسبب الاهمال واللامبالاة فى فقد آلاف الضحايا من المواطنين الليبيين سكان مدينة درنة المنكوبة الذين طمرتهم المياه وجرفتهم الى قاع البحر ، ولعله من المهم ان نعرف ان كل كارثة لها أسبابها ومسببيها مهما حاول البعض التعامى عن الحقيقة ، كما ان كل كارثة تكشف لنا عن نقاط ضعف ناجمة عن سوء إدارة او قصور سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي ، فالكارثة الطبيعية التي تسببت في مأساة درنة هي ذاتها متأثرة بشدة بالعامل البشري المحلي والعالمى ،لأن عدم مراقبة السدود وصيانتها وعدم التحذير من الخطر قبل وقوعه هو عامل بشري محلى ، ولا نعتقد ان القصاص سيلاحق أحد وستبقى عدالة السماء يوم الدينونة هو أمل الضحايا والمكلومين ، كما ان تغير المناخ الذي كان سبباً في القوة العاتية لعاصفة دانيال هو ناجم عن سلوك بشري عالمى ، فالدول الصناعية التى تقوم مصانعها بانتاج الغازات الدفيئة التى تسبب فى اختلال توازن الطبيعة هو عامل كبير فى كارثة دانيال ، وبالتالى على الحكومة الليبية ان ترفع الصوت عاليا فى المحافل الدولية للمطالبة بالتعويضات وعدم الاكتفاء بعدة طائرات محملة بالاغطيه والخيام والاطعمة المعلبة ، فما هكذا تؤخذ الحقوق ، ولأن هذه الايام هى الذكرى الاولى للكارثة المرعبة والتى كان من ايجابياتها ان كان القول صائبا فهو ظهور اللحمة الوطنية و”فزعة الخوت” حين هب الليبيون من مختلف انحاء ليبيا وتناسوا خلافاتهم وجروحهم وسارعوا لتقديم يد العون للمدينة المنكوبة ، ونتمنى من الله ان يدرك الليبيون ساسة ومواطنون انه لا احد سيقف بجانبهم ان تخلوا عن بلادهم وتركوا مشاكلهم بلا حل وتعاون وتسامح فعليهم ان يبنوا بلدهم وان يتساموا فوق الخلافات والمناصب والاحقاد ، فالحياة والامن والسلام والاستقرار أثمن من المناصب والاموال ، ولابد فى ذكرى دانيال ان نسأل الله الرحمة للموتى والصبر والسلوان للثكالى والإيتام ، وان لا تتنصل الحكومة من مسؤلياتها تجاه المتضررين والمصابين .

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …