أشياء كثيرة تقف بين القول وبينك أحيانا.. تسد مسارب الكلام ، وتجمد الدم في أصابعك فلا تقوى على تحريك القلم او النقر على أزرار لوحة المفاتيح ..
الخوف أهم تلك الأشياء على الإطلاق ..فالخوف في أبسط تعريفاته الإجرائية ، هو – كالنسيان – موت مضمر , يتوفر على كل الخصائص المناهضة للحياة ..
تخاف.. فتعجز عن التنفس ..تخاف.. فيضطرب إيقاع نبضك ..تخاف ..فيختل توازنك ..ويدخل العقل في غيبوبة مفاجئة تشبه تلك التي تغشى المحتضر قبيل الطلاق بين الجسد والروح .. تخاف فتجافيك الأفكار وتنفر منك الحروف..
باحثا عن شفاء من داء السؤال , تريد أن تقول رأيا في الفتنة , وماجرى في السقيفة..هربا من مواجهة واقع إختلط عليك فيه ، حابله بنابله ..أو أنك بداعي المبالغة في فحص الأسباب وعلاقتها بالنتائج , ترغب في إستدعاء أشباح الماضي البعيد والقريب ، لإسباغ شيء من المنطق على عبث الصورة الماثلة ، بإمتداد مسرح المهزلة المحمول بين خليجها ومحيطها..
عامدا متعمدا , تضرب صفحا عن وجعك المحلي المباشر ..لتصب إهتمامك و لعناتك الغزيرة على رأس تاريخ , تشك انه أصبح تاريخا مادامت إصطفافاته وفتنه وجرائمه ، لما تزل قائمة في أكثر من عاصمة وأكثر من مدينة داخل خارطة ” جيوبولوتيك الدم ” العربي كما يحلو للكاتب التونسي “الصافي سعيد” أن يسميها ..
في حلب وفي بغداد وفي دمشق وفي القطيف والاحساء ..في طرابلس وصنعاء ..مازالت المصاحف مرفوعة على أسنة الرماح ..ومازال عبد الرحمن بن ملجم قابضا على خنجره المنقوع في السم , يجوب أزقة الكوفة.. والجمل – بلا سيدته – يترسم على صفحة الصحراء المتوهجة ، مسارات التيه ، بعد أن اختار صاحب الحلم صحبة الرفيق الأعلى ..
ثمة علاقة طردية ، بين مستوى الخوف الذي يسكنك , ومستوى الوعي الإفتراضي الذي تدعيه أو تدعيه لك عصبة الأصدقاء والمحبين لإسباب مجهولة..تكتب ثم تمحو بضغطة زر ..تكتب وتطوقك فوهات , أوعيون ..تتحجر العلامات والكلمات حتى يصعب جمعها وتفريقها ..في النهاية أنت لست مجنونا أو حكيما ، لتجترح القول الذي يستحق كل هذا العناء المنتظر ..
الآن انت تهذي ، بعيدا عن الجرح الذي أشاع الحمى في الجسد المريض..ترتعب من ذكر سيرة المؤامرة لئلا تنقض عليك “الذئاب” الضالة ، والاخرى المستأنسة بدعوى الترويج للأفكار الظلامية ..أو الدعاية لعروبة حان أجل إقتلاعها من جذورها إرضاءا ، لحقد دفين عمره 14 قرنا تزيد قليلا او تنقص..
وجعك طرابلس ..وجعك سبها ..وجعك بنغازي وغات ..وجعك وطن يتسرب من بين أصابعك كرمال ناعمة معجونة بالسراب والرعب ..مع ذلك تلجأ للكناية والرمز ، لتطلق عويل الألم الذي يحتشد في حنجرتك
في الماضي كانت رياضة القفز فوق الحواجز و”التابوهات” أسهل ..كان هناك رأس وأساس..وكنا نعرف مانريد ومانكره ..ومطالبنا جلها تنتمي إلى أحلام وطموحات مستوردة عرفنا متأخرين أنها لاتناسب الحياة في مضارب قبيلتنا العريقة ..لكن اليوم , صار لقبيلتنا أكثر من كبير , ف ” الصغار كبروا “..وأنتشر على إمتداد – صندوق الرمال والزيت الأسود – الكبار .. والخطوط الحمراء طالت واستطالت حتى ماعدنا نستشرف لها نهاية ..
..
لماذا لا أكتب عن الشأن المحلي ..؟؟؟
حسنا ..مرة أخرى ، لعل عجز العقل الخصي أمام فحش الواقع وفجوره . هو ما يمنعني
جمال الزائدي