جمعة بوكليب
علاقاتُ الصُحبة بين رجال كبار السنّ، في العادة، تكون متميزة لإنتفاء المصلحة. هي صُحْبة لوجه الصُحْبة. علاقتي بصاحبي من هذا النوع. نلتقي حين نلتقي. والوقتُ الذي نقضيه معًا يزيد في طول العمر، لأنّنا لا نكفُّ خلاله عن الضحك من أحوال الدنيا وناسها. أحيانًا، أتمنّى لو كنتُ وصاحبي على علم بلعب الخربقة، طمعاً في مضاعفة جُرعة المتعة.
صاحبي هذا اشترى جهاز تلفزيون مؤخرًا. ولو كنتُ أعرف لزغردت في وسط السوق، وخليها تعجّجْ! شراء جهاز تلفزيون أمرٌ عاديٌ. ليس على المشتري سوى الذهاب إلى محلات بيع تلك الأجهزة، واختيار ما يناسبه منها، ودفع ثمنها. ومن الممكن فعل ذلك من خلال الانترنت من دون حاجة للذهاب أصلاً.
نلتقي في العادة في مقهى ينادينا فيه العاملون بأسمائنا، يقع بمنطقة معروفة، قريبًا من نهر معروف. بعد الانتهاء من الهدرزة واحتساء القهوة، نغادره للقيام بجولة في المُولات التجارية القريبة. نبدأ الجولة بزيارة محلات بيع أجهزة التلفزيون. نظل ننتقل من محل إلى أخر. يأتي الصيف ويمضي. يجيء الخريف ويختفي. يهاجمنا الشتاء بعواصفه وبرده وأمطاره ويذهب. يصلنا فصل الربيع بعد عناء فنفرح. وأنا وصاحبي نظّل على عادتنا تلك، لا نضجر ولا نقلق.
صاحبي، سامحه الله، لا يملُّ من تكرار نفس الأسئلة للبائعين. ولا ينقصه سوى سؤالهم عن أسماء من صنعوا تلك الأجهزة، وفي أي ساعة ويوم وشهر وعام.
جاء وقتٌ ظننتُ فيه أن صاحبي يستمتع بتضييع وقت البائعين. وأن المسألة برمّتها مجرد نكتة مكررة. ثم خمّنتُ أنّه ربما أدمن تلك اللعبة حتى صار لا يطيق فراقها. وأنّه من الأخير يجد متعة في تنشيف ريق البائعين. استمر الحال على ذلك المنوال حتى أصابني اليأس. بعد مرور سنتين أو أكثر، عفس صاحبي على قلبه، وحطّ إيده في جيبه، وهجم واشترى جهاز تلفزيون.
حظتها، لو كنت أعرف كيف، لكنت أطلقت لساني بزغرودة طويلة، وخليها تعجّجْ!