الصباح/ خلود الفلاح
هناك علاقة وطيدة بين السعادة والإبداع، لكن أول سؤال يتبادر إلى ذهني وأنا أفكر في موضوع الاستطلاع هو الخوف من مواجهة السؤال: ماذا تقصدين بالسعادة؟ هذا المصطلح الفضفاض والنسبي.
ولكن من خلال آراء بعض الكتّاب حول علاقتهم بالكتب والكتابة، نخلص إلى أن الكتابة تحقق لهم قدرا من السعادة قد تتمثل في مرحلة الانتهاء من كتابة عمل ما، أو صدور كتاب أو تحقيق مستوى جيّد من المبيعات.
حسب الدكتور ستيفان كلاين في كتابه (علم السعادة)، أشار إلى أن السعادة مهارة يمكن تعلّمها مثل اللغة الأجنبية، وهي طريقة لتدريب أنفسنا كي نكون سعداء، وذلك عبر كتابة الأشياء الصغيرة التي تجعلنا فرحين كل يوم.
هل يمكن تشبيه طقس الكتابة اليومي ومسودات الكتابة باليوميات؟ يقول إرنست همنغواي عن الكتابة “أحب أن أعمل العديد من الأشياء التي أتقنها أكثر من الكتابة، ولكن عندما لا أكتب فإنني أشعر بالضجر؛ فأنا لديّ الموهبة ولكنّي أهملها”.
الكتابة حياة
تقول الشاعرة الليبية عزة رجب “الكتابة لا تجعلنا سعداء، لأنها وحدها السعادة التي تسعدنا في حياتنا، بالنسبة إليّ أتنفس شعرا، وحين أبتعد عن كتابة الشعر فأنا كائن ضائع، ومخلوق مهما عاش مواقف سعيدة يظل حنينه لسعادته الأبدية ماثلا في كيانه،
تلك السعادة التي يجد فيها نفسه، وتسكن فيها روحه، وتهدأ إليها خواطره، فهي ليست مرحلة، وليست موقفا، وليست أشخاصا، السعادة بالنسبة إلى الكاتب هي المعبر نحو الذات للمزيد من الاكتشاف لعوالم الدهشة داخله. فكلما اكتشفت شيئا جديدا، كنت أبتسم لجدارة الاستحقاق عن سعادتي بموهبة الكتابة”.
يشير الروائي الأردني صبحي فحماوي إلى أنه قبل الكتابة، لا بد من القراءة الحثيثة، حتى نشحن البطارية التي هي دماغنا. بالقراءة تتفتح قنوات الاستيعاب والتفكير، وتتمازج بتجارب الإنسان ومشاعره، فتتشكل الثقافة.
وحتى نشعر بهذه الثقافة، لا بد من التعبير عن ذلك، بهدف توصيل المعرفة، والتوجيه المعنوي، والإدارة.
يتابع صبحي فحماوي، “عندما نكتب فنحن نسعد بالتعبير عمّا في عقولنا من أفكار. ولهذا تجد أن بعض الكتّاب يشعرون بسعادة نشر كتاباتهم، حتى لو كان النشر دون أجر. فقد تكون سعادتهم بالنشر هي الأجر. الكتابة تجعلك تنقل منتجات عقلك من داخل ذاتك إلى العالم، أو حتى إلى المجرات السماوية. وبالكتابة والنشر، تتخلص من حمولات عقلك، التي ثقلت موازينها، تنثرها إلى الآخرين، الذين صاروا يقاسمونك هذا الحمل العظيم، فتشعر بالسعادة، وهم يشاطرونك مشاعرك التي تريد الإفصاح عنها”.
ذوات الآخرين
يقول القاص المصري ياسر جمعة، إنه اشترك مؤخرا في إحدى المسابقات، بمجموعة قصصية، ظل يكتبها لمدة أعوام طوال، وكانت، كأنها تخشى الاكتمال. تراوغه شخوصها، يلطفها، تهدم كل السياقات السابقة لحكاياتها، وتبدأ من جديد.
ويضيف “لقد أهدتني لحظات صافية، ونصوصا كثيرة متفرقة، وأمانا لم يتلاشَ، ليحتلني حزن، بعد أن كفت عن فوضاها، وملاعبتها، وأخذها الصمت؛ الذي سجنني، كذلك، خلف جدرانٍ حالكة. حجبتني تماما عن همس الضياء.
لا صوت مشاغبا هنا ولا أنس، فقط أمواج الوقت اللاهث، وغياب روح الأشياء. في أصدائها، المتكاثرة أبدا، وعماء موحش”
ويتابع: كنتُ كمن فارقته روحه أيضا، إلى أن أشرق الأمل في ذات حلم، رأيت فيه طائري، الذي صنعه الطفل الذي كنته، من طمي الأرض والزمان، وقد عاد إليّ، بعد سفره عبر حيوات عديدة، وحكايات، راح يحكيها عليّ، فأكتبها، مضيفا إليها بعض الألوان، فبدت زاهية مثل الفراشات.
ويرى صبحي فحماوي، أن الكتابة تجعلك تسعد وأنت تنقل شخصيتك إلى الآخرين، وتحاول أن تكون مؤثرا فيهم. تحاول أن تنقل ما يعتمل في نفسك، لتُسكن أفكارك في عقولهم. الكتابة تشعرك أنك تحتل جزءا من ذوات الآخرين.
السعادة بالكتابة، هي نوع من الاحتلال الناعم. الغزو الذي فطرت عليه غريزة الإنسان. إنها نشوة السيطرة على الآخرين. سواء كانت السيطرة الحميدة كما يسيطر المعلم على طلاب مدرسته، أو سيطرة الإعلام السياسي والاقتصادي بهدف إخضاع ذهن الآخرين، كمقدمة لشن الحروب. بالكتابة أنت تسعد إذ تسيطر على أفكار الآخرين، فتحول الاشتراكي إلى رأسمالي، والمسالم إلى شرس مهاجم.