خلود الفلاح
هل الصحافة في ليبيا بخير؟ وهل يتبع الصحفي سياسة القبول بالواقع حماية له ضد انتهاكات طويلة الأمد؟
وهل قانون المطبوعات قادر على حماية حرية الصحافة؟
قانون يتيم
يرى رئيس تحرير جريدة الوسط، وموقعها الإلكتروني بوابة الوسط بشير زعبيه: أن الصحافة في بلادنا ليست بخير، لأن البلاد في مجملها ليست بخير. ويلفت زعبيه، في هذا الظرف الذي يمكن أن نصفه بالاستثنائي لا ننتظر أن ينتج مناخا يساعد على حضور صحافة ليبية قوية تشكل امتدادا لتاريخ الصحافة الليبية الذي يمتد لحوالي القرن ونصف القرن، أي لا يمكن لمناخ غير ضامن لحرية العمل الصحفي، مناخ لا يعترف فيه غالبا بحقيقة اسمها الرأي الآخر، ويحرم فيه الصحفي من حق والحصول على المعلومات من مصادرها، ولاوجود لقانون ينظم العمل الصحفي غير قانون يتيم صدر منذ أكثر من نصف القرن، وهو قانون المطبوعات الذي تجاوزه الزمن.
مستطردا: “عدم وجود نقابة عامة للصحفيين تدافع عن حقوقهم المهنية، في ظل واقع تغيب فيه حرية التعبير كما نصت عليها القوانين والمواثيق ذات العلاقة، بدءا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومن يحاول الجهر برأيه المخالف قد يكون تحت طائلة الخطف والاخفاء القسري، وفي حالات أخرى تفبرك في حقه تهما غالبا ما تكون أخلاقية، أما القنوات الفضائية، فهي بين نازح ومهجّر، حالها من حال عديد صحفييها ومواطنيها أيضا، وهي في مجملها إن في الداخل أو الخارج تحولت إلى منابر لإطلاق ونشر خطاب الفتنة والكراهية والتخوين والتعصب والقذف والتشهير”.
وفي هذا الصدد، أفادت الصحافية نجاح مصدق، “الصحفي الليبي يعمل وسط حقل الغام قابل للانفجار في اي لحظة في ظل دولة تعيش الانقسام السياسي والنزاع المسلح وغياب الدستور وتهميش التشريعات والقوانين.
السلطة الرابعة في ليبيا لم يسمح لها على مر السنوات من تاريخها أن تمارس دورها الحقيقي وظل حق النفاذ للمعلومة محاولات فردية نتائجها تعرض الصحفي للمخاطر رغم كل المحاولات التي لم تتوقف للوصول لصحافة حرة نزيهة”.
تؤمن الصحافية إيناس احميدة بضرورة أن يتجاوز دورنا القبول بالأمر الواقع. وتضيف: “يجب علينا أن نكون في طليعة التغيير، نطالب بتحسين الأوضاع، وندفع ثمن حقنا في التعبير والكشف عن الفساد. قبول الوضع الراهن يعني الرضا بالظلم والتهميش. الصحافة الحقيقية تكشف الحقائق وتسهم في نشر الوعي من أجل تغيير إيجابي”.
وبحسب التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2024، حلت ليبيا في الترتيب ال 143 عالميا، وال 11 عربيا، أي أن حرية الصحافة تقدمت 6 مراكز عن العام الماضي، حيث كانت في المركز 149.
وأفار تقرير منظمة مراسلون بلا حدود، إن ليبيا لم تسجل أيّ اعتقالات للصحافيين أو عمليات خطف أو قتل خلال العام الجاري. وأرجع مراقبين ذلك، إلى القبول بالواقع من قبل الصحفي الليبي، واختيار الصمت. حيث يرزح الصحفيين منذ سنوات تحت وطأة القتل والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والاعتداء بالضرب، والملاحقات القضائية. وإن سجلت المنظمة أن الوضع قد تحسن بعض الشيء منذ العام 2021.
مراقبة وسائل الإعلام
من جانبه، أفاد رئيس تحرير جريدة الصباح جمال الزائدي: لا شيء في ليبيا بخير ولن تكون الصحافة استثناء على أية حال الدولة والمجتمع كلاهما يعاني من حالة موت سريري بسبب الصراعات والحروب والفراغ السياسي والمؤسساتي. ونحن لولا الأموال التي يدرّها البترول ما توفر لدينا ما نسدّ به رمقنا. وإذا كانت الحياة في ليبيا بهذا السوء، فليس لنا أن نسأل عن الصحافة وحالها.. إذ هذا يبدو ترفاً يمكن تأجيله في بلاد لا دستور فيها ولا مؤسسات تشريعية وتنفيذية منتخبة، لا أمن ولا أمان في مدنها وفي حدودها. الصحافة في بلاد الآخرين، يطلق عليها السلطة الرابعة. وهذا يعني أن سلطات ثلاثة يجب أن تتوفر قبلها. سلطة تشريعية، وسلطة تنفيذية، وسلطة قضائية. إذا قامت هذه السلطات بشكل دستوري وقانوني حينئذ يمكن للصحافة أن تزدهر ويشتد عودها دون أن نطرح الأسئلة حولها.
يقول بشير زعبيه: أن قرار الحكومة بإصدار قرار يبيح مراقبة الإعلام واختراق مواقع التواصل الاجتماعي والتنصت على وسائل الاتصال، ما مكن أعداء الصحافة، والحقيقة من توظيف ذلك ضد الصحفيين حين يتعلق الأمر بانتقاد أداء المسؤولين، وكشف الفساد، في هذا المناخ الذي لا تتوفر فيه مطابع عصرية تواكب التطور المتلاحق في مجال الطباعة، فيما اختفت أكشاك بيع الصحف، وغاب القارئ نفسه، وهو معذور في ذلك لأنه لم يجد صحافة تفرض حضورها وتقدم له مادة صحفية لا يجدها في أماكن أخرى، زد على ذلك أن انتشار الصفحات الشخصية، والمواقع، والمنصات ذات الصبغة الإخبارية.
في المقابل، انتقد الصحافي رزق فرج رزق القوانين القديمة التي يخضع لها الصحفي وتضعه تحت وطأة مقص الرقيب، ومأزق التبعية، فهي مهددة بالأموال السياسية ومحاولات شراء الذمم، الصحفي الذي يعمل بموضوعية يدخل في خلافات مع الجغرافية ومن يحكم في منطقة تواجده، وفي هذا المسار تحول الكثير من الصحفيين إلى متحدثين باسم طرف ما، ولم تعد المسافة بين الفرقاء السياسيين متساوية لدى بعض الصحفيين، وهذا الأمر يجعل الصحافة في ليبيا تتراجع إلى مربعها الأول، وتنتزع عن ممتهينيها صفة المدنية والحياد. الكثير من الصحفيين يظهرون علينا بثوب المحلل السياسي المؤيد لتيار ما، وفي هذه الحال تسقط عنه صفة الصحفي.
تحديث القوانين
وتشير نجاح مصدق إلى أن ليبيا صادقت على مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي تكفل حرية التعبير والصحافة والنفاذ للمعلومة واعتناق الآراء الخاصة وفق العهد الدولي فالمادة (9 و19) من العهد الدولي والمادة ( 14) من الإعلان الدستوري تلزم ليبيا ب بما صادقت عليه ولكن ما يتم كل يوم انتهاك صارخ لهذه الحقوق المنصوص عليها في الإعلان الدستوري الليبي والعهد الدولي التي يكفلها القانون الدولي لحقوق الإنسان. وبالتالي سوف يظل الاعتقال التعسفي والاختطاف والتعدي بالضرب والقتل وسائل تمارس ضد الصحفي في غياب الدستور ودولة القانون والحريات.
يرى رزق فرج رزق، أن التوتر السياسي والعسكري يجعل الصحافة تعاني صعوبات في التغطية والتحرك بأمان بين المناطق، وهذه التوترات غالباً تفرض الخضوع للمعسكر الأقوى في منطقة التواجد، وهل نقل الحقيقة بات أمر صعب، وثمنه غالباً حياة الصحفي. ومن هذا المنطلق يمكن أن نشخص حال الصحافة في ليبيا على أنه ليس بخير، طالما أننا لا نستطيع العمل بحرية والموضوعية على المحك، رهينة الفصيل الأقوى. الصحافة في ليبيا تحتاج إلى تحديث قوانينها والعمل على ميثاق شرف يكفل نزاهتها ويحصن دقتها ومهنيتها.
ويستدرك بشير زعبيه “غياب معايير النشر، والتقييم، والتوصيف الصحفي وضع الصحافة المطبوعة على الخصوص في زاوية حرجة أمام السؤال: ما الذي يمكن أن تقدمه لتنافس، لتسترد القاريْ، لكن مع ذلك فلم تخل الحالة الصحفية الليبية من وجود صحفيين مخلصين لمهنتهم، ومتمسكين بها، ومؤمنين بدورها، وهم يعملون بجدية على الرغم من كل هذه التحديات، لا ينقصهم الإصرار على الوصول إلى إنجاز صحافة محترفة مستنيرة، مسؤول، تتفاعل مع الناس، وتكشف الفساد والمفسدين، تحميها تشريعات، تكفل حرية الرأي والتعبير وحق التقاضي، وحق الاستقصاء والحصول على المعلومات ومنع الاحتكار، ينخرط منتسبوها في نقابات أو اتحادات أو جمعيات ضمن المعايير والشروط المتعارف عليها دوليا في هذا المجال، لتفرض في النهاية نفسها كسلطة رابعة حقيقية”.