خفة الكائنات بأثقالها
“عن عمر جهان وكائناته الطائرة”
منصور بوشناف
على صدره تجثم الصخرة , صخرة من العبودية والقهر , صخرة تاريخ طويل وثقيل , تكتم الصوت , تخنق الروح , وفي ساعة فارقة ,”لحظة بيج بانج” ذاتية , لحظة الانفجار الذاتي العظيم تتناثر الصخرة شظايا وتحلق الروح كائنات طليقة .
لحظة “بلال” رضي الله عنه تلك لاتتوقف عن تكرار الحدوث في تواريخ الافراد والشعوب , ربما قليلون هم من انطلق صوتهم “احد .. احد” ولكن لا أحد لم تطحنه يوما صخرة القيد والحرية صخرة المنفى والملكوت .
برموثيوس مكبلا , برموثيوس طليقا , سيزيف وصخرته , هاملت وصخرة تردده , شهرزاد وسيف الجلاد المتربص بها , الزير وثأره , الحلاج وصليبه , ملايين الارواح عانت صخرة سيزيف وصخرة بلال قبل ان تحلق خفيفة بأثقالها .
تاريخ الفن وألادب قد لايبدو الا تاريخ لحظات الانفجار للصخرة والتناثر الحر عبر صفحات كتاب الكون اللامتناهي .
في سطرنا الخاص تظل صخرة الصحابي بلال تجثم على الصدر وتظل شمس ظهيرة الرمضاء العربية وسياط ورثة الجهل وحراسه تلفح ظهورالناس والحجارة .
في اللوحة التي كانت دائما بدايات كل سطر في هذا الكتاب كانت الصخرة تجثم على بياض الصفحة وكانت الريشة وكان “عمر جهان” نحيلا وطويلا كخيط دخان ومثقلا بصخرة الوجود وحنين العدم ,وكانت مصراتة نهايات ريف وزراعة تفلت ونثر استهلاكية يزحف مبتلعا على مهل غنائية النخل وظلاله ورطبه , حلي النساء و”كوفبات” البنات وطواقي الفلاحين ونواويرها , , كان النثر يبتلع كل شيء على مهل .
في اعماله الاولى يبدو الريف ونخله ووجوه فلاحيه وطوابيه وصبارها مراسم ماقبل الدفن , ماقبل التصحر الثاني حيث لن تكون غنائية المشاهد الا رقص وغناء نادبات
في بنغازي حيث الجامعة كانت شعرية العدم تتشكل نثرا وشعرا وماقبل فلسفة وأناشيد وكان كل شيء يتصلب صخرة من الاحذية والخودات والمعتقلات والثورات الثقافية وكان عمر جهان ريشة لوجوده المثقل وخيط دخان لخفة العدم وكانت بنات الجامعة يهشمن صخرة ذاك الوجود السوداء ويحولنها نيازك لرجم الخوذات والاحذية العسكرية والاسلحة , كان جهان وكخيط دخان يتظاهر في الصباح مع الطلبة ويرجم الخودات ويرسم في المساء اسكتشات لبنات يطرن واولاد يرجمون الشياطين محلقين , كانت الاجساد في اسكتشاته تطير ,لاتلامس الارض طوال ساعات التظاهر , كان ذلك ربيع بنغازي وطلابها عام 1976م الذي انبت لكائنات عمر جهان اجنحة خفية وحلق بها .