منصة الصباح

«خاص بالعائلات ! »

فتحية الجديدي

قال لي رفيقنا الذي اصطحبنا مع عدد من الأصدقاء «أنتِ المرأة الوحيدة في المقهى كما أعتقد» .. كانت الساعة تقارب الثامنة مساء والمكان يعج بالرجال ، ونسي دونما قصد تلك الفتاة الدؤوبة التي تعمل في ركن قصي ،وصلني إحساسه بالإحراج من أجلي وانتظر اختيارنا لطاولة الجلوس التي تمكَنا في بادئ الأمر من الحصول عليها في مقدمة المقهى الذي يتوسط المدينة ويجمع عددًا من الناس من مختلف الأعمار والثقافات والتنوع الفكري ، كما يمثل نقطة التقاء بين الشباب الساكنين بالمدينة وبين زوارها القادمين من مدن أخرى ، إلى درجة أن هناك من اعتبرها نقطة دالة لهم ولمشروعاتهم وأنشطتهم الثقافية ، وانفتاح روادها على الآخر والإلمام الكبير بالقراءات التقديرية للمشهد العام الذي يمكن أن يساعدهم على تحقيق أحلامهم وإظهار إبداعاتهم الفنية والثقافية أيضًا ، والتعبير عن أحاسيسهم العاطفية نحو أحبائهم وأيضًا لتوديع أشخاص أعزاء على قلوبهم .
لست بصدد الكتابة عن إيجابيات وسلبيات ذلك المقهى ، فبقدر ما كانت ليلة مليئة بالتقارب المعرفي والدخول لمكامن أصدقائنا كان بها ما يزعجني ويربكني ويحرجني أمام أصدقائي الذين صنفتهم النظرة المجتمعية المتخلفة وأطَرتهم في قالب التكوين البيولوجي ليس إلا ، وأبعدت الجوانب الإنسانية وما تنتجه العلاقات المثمرة ، فمن هناك خرج ديواني الشعري الأول ( هكذا أراك ) ومنه كتبت نصي « حين تحدث عني » وأيضًا سمعت لقصص صديقي العزيز وعرفته أكثر ، وبواسطته تعرفت على وسط كنت يومًا بعيدة عنه ومنعكفة عنهم وتعلمت منهم بأن فرص الحياة تأتي لمرة واحدة، وشخصيات نسوية عالجت معهن اللبس في كثير من الأمور التي تجمعني بهن على مدى سنوات، هناك زاد احترامي للمتطلعين الشبان الذين يسابقون الوقت صوب النجاح بتطلعاتهم الصغيرة وكيف يمكنهم أن يصنعوا الحلم في بلادنا الحبيبة
عندما شاهدت لوحة كتبت عليها للعائلات فقط ، وأخرى خاص بالعائلات ووضع ساتر خشبي مع إناء للنبات وشريط يقطع الحريات لمرتادي يحترمون جدا تقاليد ونظام « الكافيه « المطل على شاطئ طرابلس ، رفضت ما كتب على لوحة وضعت على طاولتي تقول إن المرأة مخلوق غير مرحب به، ولهذا يمكنها الجلوس بالخلف مختفية ، ووضعها في قائمة اجتماعية لا تليق بها ، في الوقت الذي تقوم على طلبات الرجال امرأة ، والعاملة داخل الرواق أيضًا امرأة ، فمن أين جاءت فكرة العائلة وغير العائلة ؟ فهي من إنتاج التأخر الفكري لا أكثر، فمن يهين النساء لا يتأتى له التحدث عن وطن يجمع الجميع بمعالم السلام والبهجة والمحبة لإحداث توازن روحي للمكان ، والذي لا يؤنث لا يعوّل عليه حتى في شرب القهوة ..
اسمحوا لي

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …