الصباح – حنان علي كابو
بقدر ماتحمل تجربة كتابة الرواية المتعة والاكتشاف بقدر ماتحمل٨ مغامرة في أن تطل الفكرة برأسها وتكشف عن وجهها فيجد الروائي متلبسا بنسج الشخصيات كلا بملامحه الخاصة ورائحته وصوته ولونه .يذهب بعيدا الي ان يشاطرهم كل الأوقات يجلس معهم ام ياترى هم من يجلسون ؟!
فهل يتكيء الروائي على واقع معاش يلتقط منه مايعجبه ؟
وما المتعة التي يجنيها من ذلك ….وهل وجد نفسه وجها لوجه مع نفسه في ملامح بطله .
في هذا التقرير حاولت أن اتجول في عوالم حيوات الروائي …فكانت اعترافاتهم كالتالي …
وقود لمخيلته
يشير الروائي محمد الزروق المتحصل على الدكتوراة في الكتابة الإبداعية إن الكاتب عندما يكتب الواقع لا يستطيع قول الحقيقة لأسباب كثيرة.. لكنه أيضا عندما يكتب الخيال لا يستطيع أن يكذب..
ويضيف ” لا يمكن لأي كاتب مهما بلغ من قدرة وتجربة أن يختلق أحداثا من العدم.. إنه في الغالب يحور أحداثا حقيقية وينسج قصصه على هيأة سيناريوهات لأسباب من الواقع بسؤاله المتكرر: ماذا لو؟! هذا السؤال هو أعظم وقود لمخيلته..”
ويتابع الزروق في نفس السياق “الأحداث الحقيقية لها شكلان: قصة حدثت له.. أو قصة أخبره بها صديق..إن القصة الأكثر قابلية للإقناع هي القصة التي حدثت لنا.. إننا عشنا تفاصيلها وخباياها ونستطيع تحويرها بمرونة.. لهذا فإن المتعة ليست فقط في سبر أغوار شخصية يجهلها الروائي وكشفها للقارئ.. بل إن المتعة في مقدرته على البوح.. إنها تماما مثل الشعور بالراحة التي تعقب الفضفضة لصديق حميم.. نحن نتحدث فقط عن الجانب الذي نريد فقط أن نكشفه.. ونستطيع دون أن يأتي شخص فيزعجنا بالقول: أنت تتحدث عني.. بل ربما فقط سيقول: وكأنك تتحدث عني.. إى لامست القصة شغاف قلبه.”
ويضيف “.والأبطال في رواياتنا هم غالبا نحن.. أو أشخاص نتمنى ان نكونهم ..شخصيتي الحقيقية حاضرة في كل رواياتي.. الشخصيات مثل الأحداث يطالها أيضا التعديل.. وقد أدمج عدة شخصيات لأكون شخصية واحدة كما في شخصية المزنة في جزيرة الأميرات.. أو شخصية فرحات في زق خمر.. أحمد في بر الحبش هو أنا إلى حد كبير..
كذلك تلبسني محمود في ماء بين الأصابع..
يقول غوستاف فلوبير عن روايته مدام بوفاري: إن مدام بوفاري هي أنا.. من الممكن أن أتقمص شخصية أنثوية وأخلع عليها الكثير من ملامحي.. إنها أنا لو كانت رجلا.. أو أنا هي لو كنت امرأة.. ربما لا نمتلك الشجاعة الكافية لنعترف ولكن لدينا طرائق عديدة للاعترافات المبطنة..”
تلبس التفاصيل ..
وترى الروائية المترجمة تسنيم طه من السودان الشقيق والمقيمة في باريس إن كتابة الرواية يتطلب شجاعة حيث تقول “أن تكتب رواية، يعني أن تتسلح بالشجاعة؛ لكي تستطيع الولوج لمجاهل الخيال الواسعة وتسمح لتعرجات دروبه وغموضها وجمالها ووعورتها أن تقودك لأقاصي الأبعاد.
فالخيال الشاطح هو الإبداع. والابداع هو سعة الخيال وفنه.
وتستأنف “
لكن هذا الخيال لديه حُرَّاس. حُرَّاس شرسون من العادات والتقاليد والعرف والمنطق والممكن والمستحيل.
حراسٌ يحتاج الكاتب أن يتعلم كيفية مراوغتهم؛ حتى يسمح لنفسه بتذوق لذة التنقل بين سهول الخيال الخصبة وروابيه العالية ووديانه الغناء وسماواته الفسيحة. وهنا فقط ستمر عليه لحظات لن يعرف إن كان ما يعيشه محض خيال صنعه عقله، أم أنه الحقيقة. حقيقة لذيذة، يصعب الانسلاخ من إيابها. حقيقة تصبح متعة يدمن الكاتب الدخول في حضرتها، متلذذًا بالتحكم في تفاصيل عالم صنعه فكره ولونه وشكله حسب ما يتمنى.”
وتضيف طه “وهذا ما يراودني كثيرًا عندما أكون منغمسة في كتاب عمل أدبي (قصة أو رواية)، وخاصة الرواية؛ لأنها تأخذ وقتًا أطول وتتطلب جهدًا كبيرًا وطاقة جبارة بدءًا من فكرتها، ثم مرحلة اختمارها وبناء هيكلها، فتطوير حبكتها وشخصياتها، ورسم فضاءها القصصي وأحداثها.
ففي خلال وقت هذا المطبخ الخيالي، يكون الروائي مُتلبسًا بتفاصيل حيوات شخصياتها ليل نهار، يراهم في الأماكن العامة خلال نهاره، وفي أحلامه عندما يخلد للنوم في الليل.
وهذه متعة لا تضاهيها متعة أن يجد الكاتب نفسه داخل عالم من صنعه، يستطيع التحكم فيه كيفما شاء، فيحذف ما يزعجه، ويضيف ما ينقصه، ويضع الألوان والروائح والأصوات التي تميل لها روحه.”
وتقول حول تجربتها الشخصية مع عوالم أعمالها القصصية والروائية، “فقد تمنيتُ لو كنتُ “شمس” بطلة رواية “صنعاء القاهرة الخرطوم”، وخاصة في فترة طفولتها في حارات صنعاء القديمة، كما تمنيتُ أن أكون شيرين، بطلة قصة “خلف الجسر”، وتنزهتُ في ذلك المكان المسمى بالأرض البيضاء.”
في معتكف الصبر
اعلنت الرحالة عبر الكتب الشاعرة آية الوشيش صاحبة المدونة الخاصة بالكتب عن انغمساها في كتابة عمل روائي يعد باكورة أعمالها ،تقول حول تجربتها مع الكتابة “
أعتقد كما قال الكوني “هناك أحيانا تولد رغبة ملحة في كتابة رواية “لذلك لا أعلم متى يلجأ الروائي عدا كونها رغبة داخلية تخبرك إنه عليك أن تكتب رواية مثل صوت لايهدأ.
وتضيف حول المتعة التي تخلفها الكتابة قائلة “متعة الكتابة جميلة لأنك لاتمتلك قواعد؛ بإمكانك أن تصنع العالم الذي تحب بالطريقة التي تحب دون أن يكون هناك على سبيل المثال قاعدة نظم شعري أو قاعدة أدبية معينة أو قاعدة نحوية .”
أحيانا نعم ، هناك بعض القصص التي تتمنى أن تكون بطلها لكن في النهاية هي بنت روحك وأنت اب هذه الرواية يظل شعور ا لطيفا.
انا اكتب في الشقي الفنتازيا والاجتماعي هما الطريقان اللذان احبهما،وأعتقد أن تجربة الرواية تعلمك الصبر كأن تبدأ بكلمة أو حرف وتنتهي بمشاهد خروج ودخول كأنك مخرج وتضع الابطال في إطار واحد يجعل القاريء يراهم.
بهجة التكوين …
ويتابع الروائي يوسف إبراهيم في نفس السياق قائلا ..
“لنتفق على أن كل كتاب كُتب على غلافه “رواية” هو منقطع الصلة بالتاريخ والواقع، حتى ولو كان أصل استمداد أفكاره وبعض تفاصيله من الواقع ذاته. ولنتفق أيضاً مع المقولة الشهيرة “الرواية فن المدينة” بسبب أن العلاقات في المدينة يفترض أن تكون مهمومة بالذات أكثر من انهمامها بالآخر، ما يعني أن الروائي بإمكانه نسخ شخصياته وأحداث روايته من الواقع المحيط به دون أن يلفت ذلك انتباه أحد من المعنيين أو غيرهم.
الحيوات التي ينتجها الروائي كلها متخيلة في الأساس، غير أنه لا يمكن له أن يظل في الخيال وحده –بوعي أو بدونه- إذ لا بد له من أن يأكل مما يليه. فالروائي دائم الالتهام لما حوله من أحداث وشخصيات ومن تفاعل لتلك الشخصيات مع تلك الأحداث، ولا تخرج على الورق إلا إذا حان دورها. وهذا المزيج بين المتخيل والواقع ليس خياراً، فالخيال وحده دون قوالبه الواقعية لا يصنع إبداعاً، والواقع بلا خيال هو محض تأريخ وكتابة سيرة وليس إبداعاً.”
ويضيف عن المتعة التي يجدها الروائي …” ومتعة الروائي في ذلك هي متعة الخلق في حد ذاته وبهجة التكوين التي يجدها بعد أن يصنع عالماً خاصاً على الورق، عالماً من صنعه هو، عالماً يرفع فيه من يشاء ويضع فيه من يشاء، عالماً يشمت فيه بإحدى شخصياته ويفخر بأخرى. متعته هي متعة التفكيك وإعادة التكوين، تفكيك الواقع وتفكيك الخيال وإعادة بنائهما بنسب دقيقة لخلق عالم يقتنع في الروائي –قبل القارئ- بأنه عالم حقيقي جداً هو منوجد في زمن ما أو مكان ما، أو لعله في عالم موازِ، غير أنه موجود على كلّ حال.”
ويشير إلى أن الروائي هو بطل كل الحيوات قائلا “
والروائي هو بطل كل الحيوات والشخصيات التي ينتجها، بنسبة ما، هي هو، وهو هي. يجسد من خلالها خيباته وانكساراته، ويعلن بها عن نجاحاته وإنجازاته. يعالج بها نفسه فيعود من خلالها –لا شعورياً- ليصلح أخطاءً ويعيد زمنا مضى ليستكثر من الخير ولا يمسه السوء.”