منصة الصباح
حين تصمت المدن.. تصاعد جرائم قتل النساء في ليبيا

حين تصمت المدن.. تصاعد جرائم قتل النساء في ليبيا

الصباح – منى عريبي

في ليبيا، بلدٌ تتجاور فيه المدن على وقع التحولات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، تتكرر خلال الفترة الأخيرة سلسلة من جرائم قتل النساء التي تركت خلفها صدمةً كبيرة وأسئلة أكثر.

أسئلة عن الدوافع، وعن الحماية، وعن مجتمع يراقب المشاهد ذاتها تتكرر، لكن بنسخ أكثر قسوة وغموضًا كل مرة.

لم تعد تلك الجرائم أحداثًا معزولة، بل أصبحت مؤشرات واضحة على ظاهرة تتسع، وسط غياب إحصاءات رسمية وتراجع منظومة الردع، ووجود بيئات اجتماعية تسمح بتكرار العنف دون أن يتحول إلى قضية وطنية.

حنان البرعصي كانت صحافية ومحامية ليبية بارزة في الدفاع عن حقوق النساء. كانت تنتقد المجموعات المسلحة في شرق ليبيا وتدير جمعية لدعم النساء تعرضت لتهديدات عدة، وقُتلت بالرصاص في بنغازي أثناء بث مباشر على فيسبوك

الجريمة .. من مأساة الى احصائية
طرابلس: خنساء مجاهد.. جريمة كسرت صمت العاصمة

في العاصمة طرابلس، تجسدت واحدة من أكثر الجرائم إثارة للجدل، بعد الإعلان عن مقتل خنساء مجاهد، زوجة عضو لجنة الحوار السياسي السابق معاذ المنفوخ.

كانت جريمة مقتلها صادمة، ليس فقط لأنها وقعت في مدينة مكتظة، بل لأنها كشفت حجم الهشاشة الاجتماعية التي يمكن أن تُرتكب داخلها جريمة بحق امرأة دون أن تظهر تفاصيل واضحة للرأي العام.

دون مقدمات، انتشرت تدوينة عميد بلدية تاجوراء السابق، حسين بن عطية، التي قال فيها:

“طرابلس آمنة.. وحبل الكذاب قصير.. إنا لله وإنا إليه راجعون”،

لتصبح التدوينة أكبر من مجرد تعليق، بل إشارة صريحة إلى أن خلف الجريمة أسرارًا لم تُعلن، وأن الرأي العام موعود بموجة جديدة من الأسئلة لا تقل قسوة عن الجريمة نفسها.

غياب الامان داخل الاسرة
مصراتة: أماني جحا.. الطبيبة التي انتهى بها الطريق في خزان للصرف الصحي

بعد أيام من الصدمة الطرابلسية، جاءت مصراتة بأقسى منها.

اختفت الطبيبة أماني جحا، المرأة التي عرفها المجتمع بابتسامتها وخدمتها الإنسانية، قبل أن يعثر جهاز المباحث الجنائية على جثتها داخل خزان للصرف الصحي.

رائحة الجريمة كانت واضحة منذ اللحظة الأولى للاختفاء، لكن الإعلان الرسمي أكد التوقعات:

شبهة جنائية، وفرضية مقتلها على يد أحد أفراد عائلتها.

لم تهز الجريمة مصراتة فقط، بل هزت صورة “الأمان داخل الأسرة” التي تعتمد عليها الكثير من النساء في بيئة محافظة، لتفتح الباب على أسئلة أشد قسوة:

كيف يمكن لامرأة أن تفقد حياتها في بيتها؟ وكيف يستطيع المجتمع أن يصمت أمام هذا النوع من الجرائم العائلية؟

الانثى الضحية
صبراتة: زوجة العمو.. حين يتحول البيت إلى مسرح للجريمة

وفي صبراتة، المدينة الساحلية الهادئة، ظهرت حلقة جديدة من السلسلة.

زوجة “العمو” عُثر عليها مقتولة، في حادثة انتشرت تفاصيلها عبر الأوساط المحلية دون بيان رسمي كامل، كما يحدث في الكثير من جرائم العنف الأسري في المدن الصغيرة.

كانت القصة تروى بصوت متقطع بين الجيران، وتُفسر كل عائلة الحادثة بطريقتها، لكن الحقيقة الثابتة الوحيدة كانت:

امرأة أخرى فقدت حياتها، في ظل غياب بيانات وتعامل رسمي واضح يضع الأمور في حجمها الحقيقي.

في يونيو 2014، تعرضت امرأة معروفة في بنغازي للاغتيال في يوم الانتخابات البرلمانية، مما أثار غضبًا واسعًا وأُلقيت التهم في البداية على فصائل ثورية محلية، بهدف تشويه سمعتها لكن التحقيقات لاحقًا أكدت أن الجريمة كانت جنائية بحتة نفذها عناصر قبليّة مرتبطة بميليشيات مسلحة تدعمها جهات خارجية، وكان الهدف السرقة وقتل زوج الضحية.

شهدت القضية تعقيدات كبيرة شملت مقتل شاهد رئيسي ومحقق، ما أدى إلى التعتيم على مجريات التحقيق لفترة طويلة، رغم إعلان النيابة لاحقًا براءة الفصائل الثورية من الجريمة.

بين المدن والواقع.. لماذا يتزايد قتل النساء؟

تكشف هذه الحوادث الثلاث، إلى جانب عشرات القضايا غير المعلنة، عن ظاهرة آخذة في الاتساع، يرى الخبراء أنها ليست مجرد جرائم فردية، بل نتيجة تراكمات معقدة:

1. انفلات العنف الأسري

مع تصاعد الضغوط النفسية والاقتصادية، أصبحت الخلافات العائلية تتحول بسهولة إلى عنف، والعنف إلى قتل، خصوصًا في بيئات يغيب فيها التدخل المبكر.

2. غياب الردع القانوني

رغم وجود قوانين، فإن تطبيقها ضعيف، والإجراءات طويلة، والتسويات العائلية كثيرًا ما تغلق ملفات النساء دون تحقيق العدالة.

3. تزايد استغلال النساء في الأنشطة الإجرامية

تقارير أمنية تشير إلى أن بعض النساء بتن يُستخدمن في النقل غير المشروع، الاستدراج، أو التمويه الأمني، ما جعلهن عرضة لجرائم مرتبطة بعصابات ومجموعات خارجة عن القانون.

4. غياب الإحصائيات الرسمية

من أخطر عناصر المشكلة أن ليبيا لا تملك قاعدة بيانات وطنية ترصد عدد النساء المقتولات أو ضحايا العنف، ما يجعل الظاهرة غير مرئية بالقدر الكافي لصنّاع القرار.

ظلال الظاهرة: ما لا يُقال وما لا يُوثّق

إلى جانب الجرائم المعلنة، هناك حالات كثيرة تمر دون نشر أو توثيق، إمّا بسبب التسويات الاجتماعية، أو خوف العائلة من الفضيحة، أو صعوبة إثبات الجريمة.

وفي كل مرة تُدفن فيها جريمة بلا محاسبة، تترسخ ثقافة خطيرة:

أن حياة المرأة يمكن أن تُقتطع بلا ثمن.

في طرابلس، ومصراتة، وصبراتة، وباقي المدن، تتكرر القصص نفسها بأسماء مختلفة.

نساء يخرجن من الحياة فجأة، وسط صمت المحيط، وانشغال السلطات، وتردد المجتمع في مواجهة الواقع.

إن جرائم قتل النساء في ليبيا لم تعد مجرد “قصص حزينة”، بل أصبحت ملفًا وطنيًا عاجلًا يتطلب تدخل المجتمع والحكومات..

شاهد أيضاً

ثلاثة أفلام وثائقية عن ليبيا ... مخرجات يصنعن وثيقة بصرية للواقع

ثلاثة أفلام وثائقية عن ليبيا … مخرجات يصنعن وثيقة بصرية للواقع

لماذا ينبغي علينا مشاهدة أفلام حقوق الإنسان؟ لأنها أكثر قدرة على زيادة الوعي والمعرفة من …