باختصار
حيا الله زليتن، مدينة العلم والقرآن، أرض التجارة والعمران، ومنبع العز والعنفوان، وهي اليوم تسطر صفحة جديدة في سجل الديمقراطية الليبية، بإعلان انتقال السلطة البلدية في مشهد سلمي مشرف، يليق بمدينة كسرت الأرقام، ورفعت منسوب الوعي، وأكدت أن إرادة الناس أقوى من كل الحسابات الضيقة.
لقد اختار الناخب الزليتني احدى القوائم المترشحة، بعد تنافس قوي وشريف بينها، كما اختار أربعة من أبنائه عبر الترشح الفردي، ليقول بوضوح: إن الديمقراطية لا تختزل في لون واحد ولا في قائمة واحدة، بل هي فسيفساء تتشكل من تعدد الخيارات واحترام إرادة المواطن.
إن ما حدث في زليتن لم يكن مجرد انتخابات، بل كان امتحاناً للوعي، وقد اجتازته المدينة بدرجة مشرفة، فحافظت على وحدتها، وقدمت درساً في التسامح والتداول السلمي للسلطة، لتصبح نموذجاً يستحق أن يتبع في بقية المدن الليبية.
وفي هذه اللحظة الفارقة، نقول لعميد المجلس البلدي الجديد: أنت اليوم عميد لكل زليتن، ولست عميد قائمة ولا عائلة ولا قبيلة، مهمتك أن تكون جسراً يربط بين الناس، لا جداراً يفصل بينهم، كما أن نجاحك لن يقاس إلا بعدد المشاريع المنجزة على الأرض، وعليك أن تفتح أبواب المجلس للجميع، وأن تسمع للشباب والنساء كما تسمع للشيوخ والوجهاء، وأن تجعل العمل البلدي أوسع من حدود الولاءات الضيقة.
إن أبناء زليتن الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع، لا يريدون خطاباتٍ رنانة ولا وعوداً معلقة، بل يريدون طرقاً تشيد، ومدارس تُنشأ، مرافق تطور وتصين، وخدمات تنجز. يريدون مجلساً يمارس دوره بشفافية وكفاءة، ويكون عنواناً للعدل لا ساحة للوساطة أو المحسوبية.
أما من لم يحالفه الحظ في هذه الدورة، فأقول: إن الخسارة في ميدان التنافس الشريف ليست هزيمة، بل هي مشاركة في صناعة الوعي، ولبنة في بناء التجربة الديمقراطية، والمجلس البلدي القادم أحوج ما يكون إلى تضافر جهود الجميع، أغلبية وأقلية، فائزين وغير فائزين.
لقد أثبتت زليتن أنها ليست مجرد مدينة انتخابية عابرة، بل مدرسة في الوعي، وأنها قادرة على أن تضع بصمتها في المشهد الليبي، ليس فقط بالعدد الضخم للناخبين، بل بروحها الديمقراطية، وبتسامحها الذي يفتح الأفق أمام مرحلة جديدة.
فمبارك لزليتن هذا العرس الانتخابي، ومبارك لأهلها هذا الوعي، ومبارك لليبيا أن يكون فيها نموذج مثل زليتن، يعيد الثقة في إمكانية التداول السلمي للسلطة، ويؤكد أن الديمقراطية ليست مستحيلة إذا صدقت النيات.