حمزة جبودة
لكل شعب قصصه الخاصة التي يحتفظ بها، ليرويها للأجيال الجديدة، حتى يشعر بالفخر والانتماء لأبطال هذه القصص، التي ستبقى شاهدةً أيام صعبة وقاسية، قرّر فيها الليبيين والليبيات، تقاسم الوجع والغضب مع أهالي درنة.
بدأت القصة، مع أولى الأخبار التي كشفت حجم الكارثة في مدينة درنة، العاشر من سبتمبر العام 2023، مع إعصار دانيال المُدمّر لكل شيء البر والحجر. هذه الأخبار كان بمثابة الشرارة الأولى لأعظم القصص التي لم ولن تُنسى أبدًا.
بداية القصة
في لمح البصر، انقلبت مواقع التواصل الاجتماعي في ليبيا، إلى مركز تبليغ وتجميع وتبادل المعلومات عن العالقين والمتضررين في درنة. حينها اكتشف الجميع أن ما يجمعهم أكبر وأقوى، وعلى الرغم من الصور والمشاهد المأساوية التي كانت تأتي بشكلٍ يومي ومستمر عن ضحايا الإعصار، كانت صورًا أخرى تُنشر على صفحات الفيسبوك وإنستغرام ومنصة إكس “تويتر سابقًا”، عنوانها فزعة خوت.
أبطال القصة
الحاج “جمعة الترهوني” كان من أبرز الأسماء التي عرفتها ليبيا، حين ظهر في مقطع فيديو وهو يُعلن بيع “جرده” لدعم أهالي درنة، وكانت كلماته البسيطة، هي كلمات كل الليبيين والليبيات حينها: “انا واجعيني هلبا أولادي وبناتي واخوتي في المنطقة الشرقية”. ولم تنتهي القصة عند هذا الليبيّ الأصيل، ولا عن
كِبار السن والأطباء والطبيبات الذين أعلنوا عن قوافل طبية تطوعية انطلقت إلى المدينة المنكوبة، ولا عند ربّات البيوت والشباب والفتيات وكل من يملك القدرة على المساعدة، بل امتدت إلى الأطفال الذين تبّرعوا بمصروفهم لمساعدة أطفال درنة والتخفيف عنهم.
الجميع قدّم ما يستطيع وما يملك، لم ينتظر أي مبادرة، بل تحوّل الجميع إلى مبادرة ذاتيةد تتحرك وِفق منهجية واحدة اسمه ” حملة فزعة خوت”. وعن مقرات هذه الحملة، فقد كانت ببساطة، كل المدن والمناطق والقُرى، التي أصبح أهلها فِرق إنقاذ تطوعية، تعمل وتُسابق الزمن لإنقاذ ودعم المتضررين من كارثة طبيعية، لم تشهدها ليبيا من قبل.
تفاصيل القصة
حملة “فزعة خوت” انطلقت بشكلٍ عفويّ، لم يسأل أي ليبيّ أو ليبية، في كل المناطق أو المدن، كيف انطلقت هذه الحملة ومن أول من أطلقها؟ لم تكن هذه الأسئلة ذات اهتمام، لأنهم أيقنوا في لحظة واحدة جميعهم، أن أي أزمة تُواجه أحدهم أو إحداهنّ، هي أزمتهم جميعًا.
وحقيقة الأمر في هذه الحملة العظيمة “فزعة خوت” كان لها عدة خلفيات وأسباب، أهمها، أن من شارك فيها، كان يساعد نفسه عبر مساعدة أهله في درنة، وهذه المساعدة هي مساعدة الإخوة لبعضهم البعض، مساعدة أصحاب البيت الواحد، فكل أهالي درنة كانوا ولا زالوا جزءًا من عائلة كبيرة، يتوزّع أفرادها غرب وشرق وجنوب ووسط ليبيا.
كل شخص في ليبيا، له قصته الخاصة حول ما حدث، ولكل شخص مِنَّا صور واتصالات ومعلومات عن تلك الأيام القاسية جدًا، ولكن كل هذه القصص لها عنوان واحد نشترك فيه جميعنا، عنوان أيقظ فينا ما كُنّا نعتقد أننا لا نملكه أو أننا فقدناه، وهو ليبيا، الاسم الذي ننتمي له واكتشفنا أنه يعيش فينا ولم ولن ينتهِ أبدًا.
ما بعد القصة
في الذكرى الأولى لإعصار دانيال، سيفتح الجميع دفاتره، ويتذكر كيف بدأ كل هذا وكيف انتهى؟! كيف حال المدينة “درنة” اليوم؟ وأين هُم أهلها أو من تبقّى من أهلها؟
في الذكرى الأولى، علينا أن نقول: لم ولن ننسى لكي نتذكر، ويجب أن نُجدّد العهد لأنفسنا، بأن نُحافظ على إنسانيتنا المشتركة وأن نكون أكثر وعيًا ووطنية، أن ما يجمعنا، أكبر من أي جغرافيا ومن أي قبيلة ومن أي مؤسسة سياسية أو جهوية، وأن وجعنا واحد.
في الذكرى الأولى، سنبكي ونتحسّر على ما حدث، سننشر صور من فقدناهم، وسنصمت للحظات مع أنفسنا، سنلعن كل من حاول تفريقنا، وكل من ساهم في ضياع الحقوق، سنسأل عن كل من كان متورطًا في الإهمال والفساد.. وسنُعلن جميعنا، بأننا لن نسمح لأيٍّ كان، أن ينتزع مِنّا ليبيتنا.